معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

قوله تعالى : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } فالصلاة من الله : الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار للمؤمنين . قال السدي قالت بنو إسرائيل لموسى : أيصلي ربنا ؟ فكبر هذا الكلام على موسى ، فأوحى الله إليه : أن قل لهم : إني أصلي ، وأن صلاتي رحمتي ، وقد وسعت رحمتي كل شيء . وقيل : الصلاة من الله على العبد هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده . وقيل : الثناء عليه . قال أنس : لما نزلت : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } قال أبو بكر : ما خصك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه ، فأنزل الله فيه هذه الآية . قوله : { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } أي : من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، يعني أنه برحمته وهدايته ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى النور . { وكان بالمؤمنين رحيماً* }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

36

وإلى جانب الأمر بذكر الله وتسبيحه ، إشعار القلوب برحمة الله ورعايته ، وعنايته بأمر الخلق وإرادة الخير لهم ؛ وهو الغني عنهم ، وهم الفقراء المحاويج ، لرعايته وفضله :

( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ، ليخرجكم من الظلمات إلى النور . وكان بالمؤمنين رحيما ) . .

وتعالى الله وجلت نعمته ، وعظم فضله ، وتضاعفت منته ؛ وهو يذكر هؤلاء العباد الضعاف المحاويج الفانين ، الذين لا حول لهم ولا قوة ، ولا بقاء لهم ولا قرار . يذكرهم ، ويعني بهم ، ويصلي عليهم هو وملائكته ، ويذكرهم بالخير في الملأ الأعلى فيتجاوب الوجود كله بذكرهم ، كما قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " يقول الله تعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " . .

ألا إنها لعظيمة لا يكاد الإدراك يتصورها . وهو يعلم أن هذه الأرض ومن عليها وما عليها إن هي إلا ذرة صغيرة زهيدة بالقياس إلى تلك الأفلاك الهائلة . وما الأفلاك وما فيها ومن فيها إلا بعض ملك الله الذي قال له : كن . فان !

( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) . .

ونور الله واحد متصل شامل ؛ وما عداه ظلمات تتعدد وتختلف . وما يخرج الناس من نور الله إلا ليعيشوا في ظلما من الظلمات ، أو في الظلمات مجتمعة ؛ وما ينقذهم من الظلام إلا نور الله الذي يشرق في قلوبهم ، ويغمر أرواحهم ، ويهديهم إلى فطرتهم . وهي فطرة هذا الوجود . ورحمة الله بهم وصلاة الملائكة ودعاؤها لهم ، هي التي تخرجهم من الظلمات إلى النور حين تتفتح قلوبهم للإيمان : ( وكان بالمؤمنين رحيما ) . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

تعليل للأمر بذكر الله وتسبيحه بِأن ذلك مجلبةٌ لانتفاع المؤمنين بجزاء الله على ذلك بأفضل منه من جنسه وهو صلاته وصلاة ملائكته . والمعنى : أنه يصلي عليكم وملائكته إذا ذكرتموه ذكراً بُكرة وأصيلاً .

وتقديم المسند إليه على الخير الفعلي في قوله : { هو الذي يصلي عليكم } لإِفادة التقوِّي وتحقيق الحكم . والمقصود تحقيق ما تعلق بفعل { يصلي } من قول { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } .

والصلاة : الدعاء والذكر بخير ، وهي من الله الثناء . وأمره بتوجيه رحمته في الدنيا والآخرة ، أي اذكروه ليذكركم كقوله : { فاذكروني أذكركم } [ البقرة : 152 ] وقوله في الحديث القدسي : « فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي وإن ذكَرَنِي في ملإِ ذكرتُه في ملإِ خيرٍ منهم » . وصلاة الملائكة : دعاؤهم للمؤمنين فيكون دعاؤهم مستجاباً عند الله فيزيد الذاكرين على ما أعطاهم بصلاته تعالى عليهم . ففِعل { يصلي } مسند إلى الله وإلى ملائكته لأن حرف العطف يفيد تشريك المعطوف والمعطوف عليه في العامل ، فهو عامل واحد له معمولان فهو مستعمل في القدر المشترك الصالح لصلاة الله تعالى وصلاة الملائكة الصادق في كلَ بما يليق به بحسب لوازم معنى الصلاة التي تتكيّف بالكيفية المناسبة لمن أسندت إليه .

ولا حاجة إلى دعوى استعمال المشترك في معنييه على أنه لا مانع منه على الأصح ، ولا إلى دعوى عموم المجاز . واجتلاب { يصلي } بصيغة المضارع لإِفادة تكرر الصلاة وتجددها كلما تجدد الذكر والتسبيح ، أو إفادة تجددها بحسب أسباب أخرى من أعمال المؤمنين وملاحظة إيمانهم .

وفي إيراد الموصول إشارة إلى أنه تعالى معروف عندهم بمضمون الصلة بحسب غالب الاستعمال : فإمّا لأن المسلمين يعلمون على وجه الإِجمال أنهم لا يأتيهم خير إلاّ من جانب الله تعالى ، فكل تفصيل لذلك الإجمال دخل في علمهم ، ومنه أنه يصلي عليهم ويأمر ملائكته بذلك ، وإمّا أن يكون قد سبق لهم علم بذلك تفصيلاً من قبل : فبعض آيات القرآن كقوله تعالى : { والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض } [ الشورى : 5 ] فقد علم المسلمون أن استغفار الملائكة للمؤمنين بأمر من الله تعالى لقوله تعالى : { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } [ يونس : 3 ] ، والدعاء لأحد من الشفاعة له ، على أن من جملة صلة الموصول أن ملائكته يصلُّون على المؤمنين . وذلك معلوم من آيات كثيرة ، وقد يكون ذلك بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين فيما قبل نزول هذه الآية ، ويؤيد هذا المعنى قوله بعده { وكان بالمؤمنين رحيماً } كما يأتي قريباً .

واللام في قوله : { ليخرجكم } متعلقة ب { يصلي } . فعلم أن هذه الصلاة جزاء عاجل حاصل وقت ذكرهم وتسبيحهم .

والمراد ب { الظلمات } : الضلالة ، وبالنور : الهُدى ، وبإخراجهم من الظلمات : دوام ذلك والاستزادَة منه لأنهم لما كانوا مؤمنين كانوا قد خرجوا من الظلمات إلى النور { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } [ مريم : 76 ] .

وجملة { وكان بالمؤمنين رحيماً } تذييل .

ودلّ الإِخبار عن رحمته بالمؤمنين بإقحام فعل { كان } وخبرها لما تقتضيه { كان } من ثبوت ذلك الخبر له تعالى وتحققه وأنه شأن من شؤونه المعروف بها في آيات كثيرة .

ورحمته بالمؤمنين أعمّ من صلاته عليهم لأنها تشمل إسداء النفع إليهم وإيصال الخير لهم بالأقوال والأفعال والأَلطاف .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"هُوَ الّذِي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ" يقول تعالى ذكره: ربكم الذي تذكرونه الذكر الكثير، وتسبحونه بُكرة وأصيلاً، إذا أنتم فعلتم ذلك، الذي يرحمكم، ويثني عليكم هو، ويدعو لكم ملائكته. وقيل: إن معنى قوله: "يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ "يشيع عنكم الذكر الجميل في عباد الله.

وقوله: "لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ" يقول: تدعو ملائكة الله لكم فيخرجكم الله من الضلالة إلى الهُدى، ومن الكفر إلى الإسلام...

وقوله: "وكانَ بالمُؤْمِنِينَ رَحِيما" يقول تعالى ذكره: وكان بالمؤمنين به ورسوله ذا رحمة أن يعذّبهم وهم له مطيعون، ولأمره متبعون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{هو الذي يصلي عليكم وملائكته} أما صلاة الله فهي الرحمة والمغفرة، وصلاة الملائكة الاستغفار وطلب العصمة والنجاة، كقوله: {ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما}.

{ليخرجكم من الظلمات إلى النور} قال بعضهم: رحمهم حين أخرجهم من أصلاب آبائهم قرنا فقرنا إلى أن بلغوا، وجائز إخراجه إياهم من ظلمات الكفر إلى نور الهدى بدعاء الملائكة واستغفارهم لهم.

{وكان بالمؤمنين رحيما} لم يزل الله بالمؤمنين رحيما.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه ثناؤه، قاله أبو العالية. الثاني: كرامته، قاله سفيان.. وفي صلاة الملائكة قولان: أحدهما أنه دعاؤهم، قاله أبو العالية..

{لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} فيه ثلاثة أقاويل:... الثاني: من الضلالة إلى الهدى، قاله عبد الرحمن بن زيد. الثالث: من النار إلى الجنة.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"ليخرجكم من الظلمات إلى النور" معناه ليخرجكم من الجهل بالله إلى معرفته، فشبه الجهل بالظلمات، والمعرفة بالنور، وإنما شبه العلم بالنور، لأنه يقود إلى الجنة، فهو كالنور. والكفر يقود إلى النار...

"كان بالمؤمنين رحيما" حين قبل توبتهم وخلصهم من العقاب إلى الثواب بما لطف لهم في فعله...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الصلاة في الأصلِ الدعاءُ؛ فصلاتُه -سبحانه- دعاؤه لنا بالتقريب، وصلاةُ الملائكة دعاؤهم إليه لنا بالغفرانِ للعاصي، وبالإحسانِ للمطيع.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

هو الذي يترحم عليكم ويترأف: حيث يدعوكم إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة.

{لِيُخْرِجَكُم} من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة.

{وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} دليل على أنّ المراد بالصلاة الرحمة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وكان بالمؤمنين رحيما} بشارة لجميع المؤمنين، وإشارة إلى أن قوله {يصلي عليكم} غير مختص بالسامعين وقت الوحي.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

هذه نعمة من الله تعالى على هذه الأمة من أكبر النعم، ودليل على فضلها على سائر الأمم. وقد قال:"كنتم خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران: 110].

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

والمراد بالصلاة المشترك، وهو العناية بصلاح أمركم وظهور شرفكم...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

هذا تهييج إلى الذكر، أي: إنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 151، 152].

{لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي: بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم، ودعاء ملائكته لكم.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم، أن جعل من صلاته عليهم، وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل، إلى نور الإيمان، والتوفيق، والعلم، والعمل، فهذه أعظم نعمة، أنعم بها على العباد الطائعين، تستدعي منهم شكرها، والإكثار من ذكر اللّه، الذي لطف بهم ورحمهم، وجعل حملة عرشه، أفضل الملائكة، ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا.

وأما رحمته بهم في الآخرة، فأجل رحمة، وأفضل ثواب، وهو الفوز برضا ربهم، وتحيته، واستماع كلامه الجليل، ورؤية وجهه الجميل، وحصول الأجر الكبير، الذي لا يدري ولا يعرف كنهه، إلا من أعطاهم إياه، ولهذا قال: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وإلى جانب الأمر بذكر الله وتسبيحه، إشعار القلوب برحمة الله ورعايته، وعنايته بأمر الخلق وإرادة الخير لهم؛ وهو الغني عنهم، وهم الفقراء المحاويج، لرعايته وفضله:

(هو الذي يصلي عليكم وملائكته، ليخرجكم من الظلمات إلى النور. وكان بالمؤمنين رحيما)..

وتعالى الله وجلت نعمته، وعظم فضله، وتضاعفت منته؛ وهو يذكر هؤلاء العباد الضعاف المحاويج الفانين، الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا بقاء لهم ولا قرار. يذكرهم، ويعني بهم، ويصلي عليهم هو وملائكته، ويذكرهم بالخير في الملأ الأعلى فيتجاوب الوجود كله بذكرهم، كما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:"يقول الله تعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه"..

ألا إنها لعظيمة لا يكاد الإدراك يتصورها. وهو يعلم أن هذه الأرض ومن عليها وما عليها إن هي إلا ذرة صغيرة زهيدة بالقياس إلى تلك الأفلاك الهائلة. وما الأفلاك وما فيها ومن فيها إلا بعض ملك الله الذي قال له: كن. فكان!

(هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور)..

ونور الله واحد متصل شامل؛ وما عداه ظلمات تتعدد وتختلف. وما يخرج الناس من نور الله إلا ليعيشوا في ظلما من الظلمات، أو في الظلمات مجتمعة؛ وما ينقذهم من الظلام إلا نور الله الذي يشرق في قلوبهم، ويغمر أرواحهم، ويهديهم إلى فطرتهم. وهي فطرة هذا الوجود. ورحمة الله بهم وصلاة الملائكة ودعاؤها لهم، هي التي تخرجهم من الظلمات إلى النور حين تتفتح قلوبهم للإيمان: (وكان بالمؤمنين رحيما)..