اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

قوله : { هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ } الصلاة من الله الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار للمؤمنين فذكر صلاته تحريضاً للمؤمنين على الذكر{[43654]} والتسبيح ، قال السدي : قالت{[43655]} بنو إسرائيل لموسى : أيصلي ربنا ؟ فكَبُرَ هذا الكلام على موسى فأوحى الله إليه قل لهم : إنِّي أصلي وإن صلاتي رحمتي وقد وسعت رحمتي كُلَّ شيء . وقيل : الصلاة من الله هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده ، وقيل : الثناء عليه . قال أنس : لما نزلت إن الله وملائكته يصلون على النبي قال أبو بكر : ما خَصَّك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فأنزل الله عز وجل هذه{[43656]} الآية .

قوله : «ومَلاَئِكَتُهُ » إما عطف على فاعل «يصلي » ، وأغنى الفصل بالجار عن التأكيد بالضمير{[43657]} ، وهذا عند من يرى الاشتراك أو القدر المشترك أو المجاز{[43658]} ؛ لأن صلاة الله غير صلاتهم . وإما مبتدأ وخبره محذوف ، أي «وملائكته يصلون » وهذا عند من يرى شيئاً مما تقدم جائزاً إلا أن فيه بحثاً ، وهو أنهم نصوا على أنه إذا اختلف مدلولا الخبرين فلا يجوز حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه وإن كانا بلفظ واحد ، فلا تقول : «زَيْدٌ ضَاربٌ وَعَمرٌو » يعني وعمرو ضاربٌ في الأرضِ أي مُسِافِرٌ{[43659]} .

فصل :

الصلاة من الله رحمة ، ومن الملائكة استغفار ، فقيل : إن اللفظ المشترك يجوز استعماله في مَعْنَيَيْهِ معاً وكذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ جائز . قال ابن الخطيب{[43660]} : وينسب هذا القول للشافعي رحمه الله ، وهو غير بعيد ؛ وذلك لأن الرحمة والاستغفار مشتركان في العناية بحال المرحوم والمستغفر له والمراد هو القدر المشترك فتكون الدلالة واحدة ، ثم قال : { لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظلمات إِلَى النور } أي من ظلمةِ الكفر إلى نور الإيمان يعنى ( أنه ){[43661]} برحمته وهدايته ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان .

{ وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } وهذا بشارة لجميع المؤمنين وأشار بقوله : «يصلي عليكم » أن هذا غير مختص بالسامعين وقت الخطاب . قوله : «تَحِيَّتُهُمْ » يجوز أن يكون مصدراً مضافاً لمفعوله ، وأن يكون مضافاً لفاعله ومفعوله على معنى أن بعضهم يُحَيِّي بعصاً ، فيصح أن يكون الضمير للفاعل والمفعول باعتبارين لا أنه يكون فاعلاً ومفعولاً من وجهٍ واحد{[43662]} وهو قول من قال : { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } [ الأنبياء : 78 ] أنه مضاف للفاعل والمفعول .


[43654]:قاله الإمام الفخر الرازي في تفسيره 25/215.
[43655]:ذكر الخازن والبغوي في تفسيريهما هذه الأقوال 5/266 وانظر: القرطبي 14/198.
[43656]:معالم التنزيل للبغوي المرجع السابق 5/266.
[43657]:حيث إن من شرط العطف على الضمير المرفوع المنفصل بظاهر أن يؤكد هذا الضمير بضمير مثله كقوله تعالى:{اسكن أنت وزوجك الجنة}.
[43658]:قال الزمخشري: "جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة" فكأنه يرى صحة العطف وانظر الدر المصون 4/293.
[43659]:يعني لأن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار فقد اختلف المعنيان وإن كانا بلفظ واحد. وانظر الدر المصون للسمين 4/2939.
[43660]:قاله فخر الدين الرازي في تفسيره 25/215.
[43661]:سقط من "ب".
[43662]:قاله في البحر المحيط 7/238 والدر المصون 4/393.