محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

وقوله تعالى :

{ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ } استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من الأمرين . فإن صلاته تعالى عليهم ، مع عدم استحقاقهم لها وغناه عن العالمين ، مما يوجب عليهم المداومة على ما يستوجبه تعالى عليهم من ذكره تعالى وتسبيحه . أفاده أبو السعود .

وقال ابن كثير : هذا تهييج إلى الذكر . أي أنه سبحانه يذكركم أنتم . كقوله عز وجل {[6190]} : { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } . انتهى .

والصلاة : الرحمة والعطف . والمعنى هو الذي يترحم عليكم ويترأف ، حيث يدعوكم إلى الخير ، ويأمركم بإكثار الذكر ، والتوفر على الصلاة والطاعة { لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ } أي ظلمة الكفر والمعاصي والشبهات ومساوئ العادات { إِلَى النُّورِ } أي نور الإيمان والسنة والطاعة ومحاسن الأخلاق { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } أي حيث لم يتركهم يتخبطون في عمياء الضلالة والجهالة ، بل أنار لهم السبل وأوضح لهم المعالم . وذكر الملائكة تنويها بشأنهم وشأن المؤمنين . وأن للملأ الأعلى عناية وعطفا وترحما ، بالاستغفار والدعاء والثناء على الجميل . كقوله تعالى {[6191]} : { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، إنك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيئات } الآية .


[6190]:(2 / البقرة / 151 و 152).
[6191]:(40 / غافر / 7 – 9).