الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

لما كان من شأن المصلي أن ينعطف في ركوعه وسجوده استعير لمن ينعطف على غيره حنوّاً عليه ترؤفاً . كعائد المريض في انعطافه عليه ، والمرأة في حنوّها على ولدها ، ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم : صلّى الله عليك ، أي ترحم عليك وترأف .

فإن قلت : قوله : { هُوَ الذى يُصَلّى عَلَيْكُمْ } إن فسرته بيترحم عليكم ويترأف ، فما تصنع بقوله : { وملائكته } وما معنى صلاتهم ؟ قلت : هي قولهم : اللَّهم صلّ على المؤمنين ، جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة . ونظيره قوله : حياك الله ، أي حياك وأبقاك ، وحييتك ، أي : دعوت لك بأن يحييك الله ؛ لأنك لا تكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة ، وكذلك : عمرك الله ، وعمرتك ، وسقاك الله ، وسقيتك ، وعليه قوله تعالى : { إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبي يا أيها الذين ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 56 ] أي ادعوا الله بأن يصلّي عليه . والمعنى : هو الذي يترحم عليكم ويترأف : حيث يدعوكم إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة { لِيُخْرِجَكُم } من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة { وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً } دليل على أنّ المراد بالصلاة الرحمة .