السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

وعن أنس لما نزل قوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } ( الأحزاب : 56 ) وقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ما أنزل الله تعالى عليك خيراً إلا أشركنا فيه أنزل الله تعالى : { هو الذي يصلي عليكم } أي : يرحمكم { وملائكته } أي : يستغفرون لكم ، فالصلاة من الله تعالى رحمة ، ومن الملائكة استغفار للمؤمنين ، فذكر صلاته تحريضاً للمؤمنين على الذكر والتسبيح . قال السدي : قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : أيصلي ربنا ؟ فكبر هذا الكلام على موسى ، فأوحى الله تعالى إليه قل لهم : إني أصلي ، وإن صلاتي رحمتي وقد وسعت رحمتي كل شيء ، وقيل : الصلاة من الله : هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده . وقيل : الثناء عليه . واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليهم ، وهو سبب للرحمة من حيث إنهم مجابو الدعوة ، فقد اشتركت الصلاتان ، واللفظ المشترك يجوز استعماله في معنييه معاً ، وكذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ جائز . قال الرازي : وينسب هذا القول للشافعي رحمه الله تعالى وهو غير بعيد ، وذلك لأن الرحمة والاستغفار مشتركان في العناية بحال المرحوم والمستغفر له ، والمراد : هو القدر المشترك فتكون الدلالة تضمنية .

ولما كان فعل الملائكة منسوباً إليه قال تعالى : { ليخرجكم } أي : ليديم إخراجه إياكم بذلك { من الظلمات } أي : الكفر والمعصية { إلى النور } إلى الإيمان والطاعة ، أو ليخرجكم من الجهل الموجب للضلال إلى العلم المثمر للهدى { وكان } أي : أزلاً وأبداً { بالمؤمنين } أي : الذين صار الإيمان وصفاً لهم { رحيماً } أي : بليغ الرحمة بتوفيقهم حيث اعتنى بصلاح أمرهم واستعمل في ذلك ملائكته المقربين فحملهم ذلك على الإخلاص في الطاعات فرفع لهم الدرجات في روضات الجنات .