روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

{ هُوَ الذي يُصَلّى عَلَيْكُمْ } الخ استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من الأمرين { وملائكته } عطف على الضمير في { يُصَلّى } لمكان الفصل المغنى عن التأكيد بالمنصل لا على { هُوَ } والصلاة في المشهور وروي ذلك عن ابن عباس من الله تعالى رحمة ومن الملائكة استغفار ومن مؤمني الإنس والجن دعاء ، ويجوز على رأي من يجوز استعمال اللفظ في معنيين أن يراد بالصلاة هنا المعنيان الأولان فيراد بها أولاً الرحمة وثانياً الاستغفار ، ومن لا يجوز كأصحابنا يقول بعموم المجاز بأن يراد بالصلاة معنى مجازي عام يكون كلا المعنيين فرداً حقيقياً له وهو إما الاعتناء بما فيه خير المخاطبين وصلاح أمرهم فإن كلا من الرحمة والاستغفار فرد حقيقي له وهذا المجاز من الصلاة بمعنى الدعاء وهو إما استعارة لأن الاعتناء يشبه الدعاء لمقارنة كل منهما لإرادة الخير والأمر المحبوب أو مجاز مرسل لأن الدعاء مسبب عن الاعتناء وأما الترحم والانعطاف المعنوي المأخوذ من الصلاة المعروفة المشتملة على الانعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود ، ولا ريب في أن استغفار الملائكة عليهما السلام ودعاءهم للمؤمنين ترحم عليهم ، وأما أن ذلك سبب للرحمة لكونهم مجابي الدعوة كما قيل ففيه بحث ، ورجح جعل المعنى العام ما ذكر بأنه أقرب لما بعد فإنه نص عليه فيه بقوله تعالى : { وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً } فدل على أن المراد بالصلاة الرحمة . واعترض بأن رحم متعد وصلى قاصر فلا يحسن تفسيره به ، وبأنه يستلزم جواز رحم عليه ، وبأنه تعالى غاير بينهما بقوله سبحانه : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلوات مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ } [ البقرة : 157 ] للعطف الظاهر في المغايرة . وأجيب بأنه ليس المراد بتفسير صلى برحم إلا بيان أن المعنى الموضوع له صلى هو الموضوع له رحم مع قطع النظر عن معنى التعدي واللزوم فإن الرديفين قد يختلفان في ذلك وهو غير ضار فزعم أن ذلك لا يحسن وأنه يلزم جواز رحم عليه ليس في محله على أنه يحسن تعدية صلى بعلي دون رحم لما في الأول من ظهور معنى التحنن والتعطف والعطف لأن الصلاة رحمة خاصة ويكفي هذا القدر من المغايرة ، وقيل : إن تعدد الفاعل صير الفعل كالمتعدد فكأن الرحمة مرادة من لفظ والاستغفار مراد من آخر فلا حاجة إلى القول بعموم المجاز وليس هناك استعمال لفظ واحد حقيقة وحكماً في معنيين وهو كما ترى ، ومثله كون { *ملائكته } مبتدأ خبره محذوف لدلالة ما قبل عليه كأنه قيل هو الذي يصلي عليكم وملائكته يصلون عليكم فهناك لفظان حقيقة كل منهما بمعنى ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يزيدك علماً بأمر الصلاة ، وسبب نزول الآية ما أخرجه عبد بن حميد .

وابن المنذر قال : لما نزلت { إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبي } [ الأحزاب : 56 ] قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : ما أنزل الله تعالى عليك خيراً إلا أشركنا فيه فنزلت : { هُوَ الذي يُصَلّى عَلَيْكُمْ وملائكته لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظلمات إِلَى النور } أي من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة ، وقال الطبرسي : من الجهل بالله تعالى إلى معرفته عز وجل فإن الجهل أشبه شيء بالظلمة والمعرفة أشبه شيء بالنور ؛ وقال ابن زيد : أي من الضلالة إلى الهدى ، وقال مقاتل : من الكفر إلى الإيمان ، وقيل : من النار إلى الجنة حكاه الماوردي ، وقيل : من القبور إلى البعث حكاه أبو حيان وليس بشيء ، واللام متعلقة بيصلي أي يعتني بكم هو سبحانه وملائكته ليخرجكم أو يترحم هو عز وجل وملائكته ليخرجكم بذلك من الظلمات إلى النور { وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً } اعتراض مقرر لمضمون ما قبله أي كان سبحانه بكافة المؤمنين الذين أنتم من زمرتهم كامل الرحمة ولذا يفعل بكم ما يفعل بالذات وبالواسطة أو كان بكم رحيماً على أن المؤمنين مظهر وضع موضع المضمر مدحاً لهم وإشعاراً بعلة الرحمة .