البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

ولما أمرهم بالذكر والتسبيح ، ذكر إحسانه تعالى بصلاته عليهم هو وملائكته .

قال الحسن : { يصلي عليكم } : يرحمكم .

وقال ابن جبير : يغفر لكم .

وقال أبو العالية يثني عليكم .

وقيل : يترأف بكم .

وصلاة الملائكة الاستغفار ، كقوله تعالى : { ويستغفرون للذين آمنوا } وقال مقاتل : الدعاء ، والمعنى : هو الذي يترحم عليكم ، حيث يدعوكم إلى الخير ، ويأمركم بإكثار الذكر والطاعة ، ليخرجكم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة .

وقال ابن زيد : من الضلالة إلى الهدى .

وقال مقاتل : من الكفر إلى الإيمان .

وقيل : من النار إلى الجنة ، حكاه الماوردي .

وقيل : من القبور إلى البعث .

{ وملائكته } : معطوف على الضمير المرفوع المستكن في { يصلي } ، فأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد ، وصلاة الله غير صلاة الملائكة ، فكيف اشتركا في قدر مشترك ؟ وهو إرادة وصول الخير إليهم .

فالله تعالى يريد برحمته إياهم إيصال الخير إليهم ، وملائكته يريدون بالاستغفار ذلك .

وقال الزمخشري : جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة ، كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة ، ونظيره قولهم : حياك الله : أي أحياك وأبقاك ، وحييتك : أي دعوت لك بأن يحييك الله ، لأنك لاتكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة ؛ وكذلك عمرك الله وعمرتك ، وسقاك الله وسقيتك ، وعليه قوله ؛ { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } : أي ادعوا له بأن يصلى عليه .

{ وكان بالمؤمنين رحيماً } : دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة . انتهى .

وما ذكره من قوله ، كأنهم فاعلون فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وما ذكرناه من أن الصلاتين اشتركتا في قدر مشترك أولى .