الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} (43)

ثم قال تعالى : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } أي : ربكم الذي أمرتم بذكره كثيرا هو الذي يرحمكم ويثني عليكم فيشيع عنكم الذكر الجميل وملائكته تدعو لكم .

روي أنه لما نزل/ : { إن الله وملائكته يصلون على النبي }{[55573]} أتاه المؤمنون يهنؤونه بذلك فقال أبو بكر يا رسول الله : هذا لك خاصة فما لنا ؟ فأنزل الله جل ذكره { هو الذي يصلي عليكم وملائكته }{[55574]} أي : يدعون لكم بالرحمة .

وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل : " إن الله قال لموسى : أخبر بني إسرائيل أن صلاتي على عبادي لتسبق رحمتي غضبي ولولا ذلك لأهلكتهم " {[55575]} .

وقال عطاء بن أبي رباح : " صلاته على عباده : سبوح قدوس لتسبق رحمتي غضبي " {[55576]} .

وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " سبوح قدوس ، رحمتي تغلب غضبي " {[55577]} .

ثم قال : { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } أي : تدعو ملائكة الله ليخرجكم الله من الكفر إلى الإيمان . وأصل الصلاة في اللغة : الدعاء{[55578]} وسمي الركوع والسجود صلاة للدعاء الذي يكون في ذلك .

وقال المبرد : أصل الصلاة الترحم ، فالصلاة من الله رحمة لعباده ، ومن الملائكة رقة لهم واستدعاء للرحمة من الله لهم ، والصلاة من الناس سميت صلاة لطلب الرحمة بها{[55579]} .

قال أبو عبيدة : الأصيل ما بين العصر إلى الليل : وقال : { يصلي عليكم وملائكته } أي : يبارك عليكم{[55580]} .

قال ابن عباس : لا يقضي الله على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال العذر ، غير الذكر فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله{[55581]} .

ثم قال : { وكان بالمومنين رحيما } أي : ذا رحمة أن يعذبهم وهم له مطيعون .


[55573]:الأحزاب آية 56
[55574]:هذا القول منسوب إلى ابن عباس ومجاهد: انظر: الجامع للقرطبي 14/198 ولباب النقول 180
[55575]:لم أقف عليه بهذا اللفظ إلا في أحكام الجصاص 3/361، والدر المنثور 6/622
[55576]:انظر: الدر المنثور 6/623
[55577]:أورده السيوطي في الدر المنثور بمعناه من طريق عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة 6/623 وقد وقفت على حديث في هذا المعنى أخرجه مسلم عن أبي هريرة في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه 8/95 ولفظة : "لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي"
[55578]:انظر: اللسان مادة"صلا" 14/464
[55579]:انظر: إعراب النحاس 3/318
[55580]:انظر: مجاز أبي عبيدة 2/138
[55581]:انظر: جامع البيان 22/17