معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

قوله تعالى : { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } اللهو هو : الاستمتاع بلذات الدنيا ، واللعب : العبث ، سميت بهما لأنها فانية . { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي : الحياة الدائمة الباقية ، والحيوان : بمعنى الحياة ، أي : فيها الحياة الدائمة ، { لو كانوا يعلمون } فناء الدنيا وبقاء الآخرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

46

وبمناسبة الحديث عن الحياة في الأرض وعن الرزق والبسط فيه والقبض ، يضع أمامه الميزان الدقيق للقيم كلها . فإذا الحياة الدنيا بأرزاقها ومتاعها لهو ولعب حين تقاس بالحياة في الدار الآخرة :

( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ، لو كانوا يعلمون ) . .

فهذه الحياة الدنيا في عمومها ليست إلا لهوا ولعبا حين لا ينظر فيها إلى الآخرة . حين تكون هي الغاية العليا للناس . حين يصبح المتاع فيها هو الغاية من الحياة . فأما الحياة الآخرة فهي الحياة الفائضة بالحيوية . هي( الحيوان )لشدة ما فيها من الحيوية والامتلاء .

والقرآن لا يعني بهذا أن يحض على الزهد في متاع الحياة الدنيا والفرار منه وإلقائه بعيدا . إن هذا ليس روح الإسلام ولا اتجاهه . إنما يعني مراعاة الآخرة في هذا المتاع ، والوقوف فيه عند حدود الله . كما يقصد الاستعلاء عليه فلا تصبح النفس أسيرة له ، يكلفها ما يكلفها فلا تتأبى عليه ! والمسألة مسألة قيم يزنها بميزانها الصحيح . فهذه قيمة الدنيا وهذه قيمة الآخرة كما ينبغي أن يستشعرها المؤمن ؛ ثم يسير في متاع الحياة الدنيا على ضوئها ، مالكا لحريته معتدلا في نظرته : الدنيا لهو ولعب ، والآخرة حياة مليئة بالحياة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

هذا الكلام مبلَّغ إلى الفريقين اللذين تضمنهما قوله تعالى : { بل أكثرهم لا يعقلون } [ العنكبوت : 63 ] فإن عقلاءهم آثروا باطل الدنيا على الحق الذي وضح لهم ، ودهماءهم لم يشعروا بغير أمور الدنيا ، وجميعهم أنكروا البعث فأعقب الله ما أوضحه لهم من الدلائل بأن نبههم على أن الحياة الدنيا كالخيال وأن الحياة الثانية هي الحياة الحق . والمراد بالحياة ما تشتمل عليه من الأحوال وذلك يسري غلى الحياة نفسها .

واللهو : ما يلهو به الناس ، أي يشتغلون به عن الأمور المكدرة أو يعْمرون به أوقاتهم الخلية عن الأعمال .

واللعب : ما يقصد به الهزل والانبساط . وتقدم تفسير اللعب واللهو ووجه حصر الحياة الدنيا فيهما عند قوله تعالى : { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } في سورة الأنعام [ 32 ] . والحصر : ادعائي كما تقدم . وقد زادت هذه الآية بتوجيه اسم الإشارة إلى الحياة وعهي إشارة تحقير وقلة اكتراث ، كقول قيس بن الخطيم مشيراً إلى الموت :

متى يأت هذا الموتُ لا يُلف حَاجة *** لنفسيَ إلا قَد قضيتُ قضاءها

ولم توجه الإِشارة إلى الحياة في سورة الأنعام . ووجه ذلك أن هذه الآية لم يتقدم فيها ما يقتضي تحقير الحياة فجيء باسم الإِشارة لإفادة تحقيرها ، وأما آية سورة الأنعام فتقدم قوله : { حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما قرطنا فيها } [ الأنعام : 31 ] فذُكر لهم في تلك الآية ما سيظهر لهم إذا جاءتهم الساعة من ذهاب حياتهم الدنيا سُدى . وأمر تقديم ذكر اللهو هنا وذكر اللعب في سورة الأنعام فلأن آية سورة الأنعام لم تشتمل على اسم إشارة يقصد منه تحقير الحياة الدنيا فكان الابتداء بأنها لعب مشيراً إلى تحقيرها لأن اللعب أعرق في قلة الجدوى من اللهو .

ولما أشير في هذه الآية إلى الحياة الآخرة في قوله { فأحيا به الأرض من بعد موتها } [ العنكبوت : 63 ] زاده تصريحاً بأن الحياة الآخرة هي الحياة الحق فصيغ لها وزن الفعلان الذي هو صيغة تنبئ عن معنى التحرك توضيحاً لمعنى كمال الحياة بقدر المتعارف ، فإن التحرك والاضطراب أمارة على قوة الحيوية في الشيء مثل الغليان واللهبان . وهم قد جهلوا الحياة الآخرة من أصلها فلذلك قالوا { لو كانوا يعلمون } . وجواب { لو } محذوف دليله ما تقدم ، أو هو الجواب مقدّماً .