فصغر الله تعالى أمر الدنيا وعظم أمر الآخرة ليعلم أن رعاية جانب الآخرة أهم من رعاية صلاح الدنيا . قال أهل العلم : الإقبال على الباطل لعب ، والإعراض عن الحق لهو ، والمشتغل بالدنيا كذلك . ويمكن أن يقال : المشتغل بها لا على وجه الاستغراق بل على وجه يفرغ لبعض أمور الآخرة لاعب ، والمشغول بها بحيث ينسى الآخرة بالكلية لاهٍ وحين كان الكلام في الأنعام بعد ذكر الآخرة وما يجري فيها من الحيرة والحسرة قدم اللعب هناك لأن الاستغراق الكلي بالنسبة إلى أهل الآخرة أبعد فأخر الأبعد . ولما كان المذكور ههنا من قبيل الدنيا ولهذا أشار إليها بقوله { وما هذه الحياة الدنيا } وقال في الأنعام { وما الحياة الدنيا } [ الآية : 32 ] وهي خداعة تدعو النفوس إلى الإقبال عليها بالكلية ، فلا جرم قدم اللهو . ويحتمل أن يقال : إنه تعالى قدم اللعب على اللهو في موضعين من " الأنعام " وكذلك في القتال ويقال لها " سورة محمد " صلى الله عليه وسلم وفي " الحديد " . وقدم اللهو على اللعب في " الأعراف " و " العنكبوت " . فاللعب مقدم في الأكثر لأن اللعب زمانه الصبا ، واللهو زمانه الشباب ، وزمان الصبا مقدم على زمان الشباب .
" تنبيه " ما ذكر في الحديد { اعلموا إنما الحياة الدنيا لعب } [ الحديد :20 ] كلعب الصبيان { ولهو } [ الحديد :20 ] كلهو الشبان و { زينة } [ الحديد :20 ] كزينة النسوان { وتفاخر } [ الحديد :20 ] كتفاخر الإخوان { وتكاثر } [ الآية : 20 ] كتكاثر السلطان وقدم اللهو في الأعراف لأن ذلك في القيامة فذكر على ترتيب ما انقضى وبدأ بما بدأ به الإنسان وانتهى من الجانبين . وأما هذه السورة فأراد فيها ذكر سرعة زمان الآخرة ، فبدأ بذكر ما هو أكثر ليكون غلى المقصود اقرب . ثم إن الحال في سورة الأنعام لما كانت حال إظهار الحسرة لم يحتج المكلف إلى وازع قوي فاقتصر على قوله { وللدار الآخرة خير } [ الأنعام : 32 ] ولما كان ههنا حال الاشتغال بالدنيا احتاج إلى وازع أقوى فقال { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي لا حياة إلا حياة الآخرة وليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة بلا موت فكأنها في ذاتها حياة . ولا يخفى ما في التركيب من أنواع المبالغة من جهة " إن " ومن جهة صيغة الفصل ، ولام التأكيد ، وبناء الفعلان بتحريك العين وهو مصدر " حيي " بياءين لفقد ما عينه ياء ولامه واو . ولو كانا واوين لقيل : حوى مثل قوى وقياسه " حييان " بياءين قلبت الثانية واواً على منوال حيوة في اسم رجل . ولأن المبالغة ههنا أزيد مما في الأنعام قال ههنا { لو كانوا يعلمون } وهنالك { أفلا تعقلون } [ الأنعام : 32 ] لأن المعلوم أكثر مقدمة من المعقول وقد مر في السورة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.