فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

{ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ( 64 ) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ( 65 ) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ( 66 ) }

{ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } أي : من جنس ما يلهو به الصبيان ويلعبون به ، وأما القرب ، كالصلاة ، والصوم والحج والاستغفار ، والتسبيح فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها . واللهو هو الاستمتاع بلذات الدنيا وقيل : هو الاشتغال بما لا يعنيه ولا يهمه واللعب هو العبث ، وقيل : اللهو هو الإعراض عن الحق بالكلية ، واللعب : الإقبال على الباطل ، قاله الرازي . وفي هذا تصغير للدنيا وازدراء بها ، ومعنى الآية أن سرعة زوال الدنيا عن أهلها ، وتقلبهم فيها ، وموتهم عنها كما يلعب الصبيان ساعة ثم ينصرفون .

{ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي الحياة الدائمة الخالدة التي لا موت فيها ، قال أبو عبيدة ، وابن قتيبة : إن الحيوان الحياة ، قال الواحدي وهو قول جميع المفسرين ، ذهبوا إلى أن معنى الحيوان هاهنا الحياة ، وأنه مصدر بمنزلة الحياة فيكون كالنزوان والغليان ، وواو الحيوان مقلوبة عن ياء عند سيبويه وأتباعه ، وقال أبدلت شذوذا وكذا في حياة علما{[1358]} وقال أبو البقاء : لئلا يلتبس بالتثنية ، وغير سيبويه ، حمل ذلك على ظاهرة ، فالحياة عنده لامها واو ، ولا دليل لسيبويه في حي ، لأن الواو متى انكسر ما قبلها قلبت ياء نحو : عرى ورعى ورضى ، والتقدير لهي دار الحيوان أو ذات الحيوان ، أي : دار الحياة الباقية التي لا تزول ، أو لا ينغصها موت ولا مرض ولا هم ولا غم ، وقدر أبو البقاء أن الحياة الدار وذلك ليتطابق المبتدأ والخبر والمبالغة أحسن : قال ابن عباس هي الحيوان ؛ أي الباقية .

وعن أبي جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عجبا كل العجب من مصدق بدار الحيوان ، وهو ليسعى لدار الغرور " أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب وهو مرسل { لو كانوا يعلمون } أن الحياة هي حياة الآخرة ، أو يعلمون شيئا من العلم لما آثروا الدار الفانية المنغصة على الآخرة الباقية ، ثم بيّن سبحانه أنه ليس المانع لهم من الإيمان إلا مجرد تأثير الحياة فقال :


[1358]:فعل ماض مبني للمجهول الألف للإطلاق، ويبدوا أنها شطرة من رجز المطيعي.