الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

" وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب " أي شيء يلهى به ويلعب أي ليس ما أعطاه الله الأغنياء من الدنيا إلا وهو يضمحل ويزول ، كاللعب الذي لا حقيقة له ولا ثبات قال بعضهم : الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها وأنشد :

تروح لنا الدنيا بغير الذي *** غدت وتحدُثُ من بعد الأمور أمورُ

وتجري الليالي باجتماع وفُرْقَةٍ *** وتطلع فيها أنجمٌ وتغورُ

فمن ظن أن الدهر باق سرورُه *** فذاك محالٌ لا يدوم سرورُ

عفا الله عمن صير الهم واحدا *** وأيقن أن الدائرات تدورُ

قلت : وهذا كله في أمور الدنيا من المال والجاه والملبس الزائد على الضروري الذي به قوام العيش والقوة على الطاعات ، وأما ما كان منها لله فهو من الآخرة وهو الذي يبقى كما قال : " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " [ الرحمن : 27 ] أي ما ابتغى به ثوابه ورضاه .

قوله تعالى : " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " أي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا موت فيها وزعم أبو عبيدة : أن الحيوان والحياة والحي بكسر الحاء واحد كما قال{[12423]} :

وقد ترى إذ الحياة حِيُّ

وغيره يقول : إن الحي جمع على فعول مثل عصي ، والحيوان يقع على كل شيء حي وحيوان عين في الجنة . وقيل : أصل حيوان حييان فأبدلت إحداهما واوا ؛ لاجتماع المثلين " لو كانوا يعلمون " أنها كذلك .


[12423]:البيت للعجاج وتمامه: * وإذ زمان الناس دغفلى*