قوله تعالى : { فإذا جاء وعد أولاهما } ، يعني : أولى المرتين . قال قتادة : إفسادهم في المرة الأولى ما خالفوا من أحكام التوراة ، وركبوا المحارم . وقال ابن إسحاق إفسادهم في المرة الأولى قتل شعياء بين الشجرة وارتكابهم المعاصي . { بعثنا عليكم عباداً لنا } ، قال قتادة يعني جالوت الخزري وجنوده ، وهو الذي قتله داود . وقال سعيد بن جبير : يعني سنجاريب من أهل نينوى . وقال ابن إسحاق : بختنصر البابلي وأصحابه . وهو الأظهر . { أولي بأس } ، ذوي بطش ، { شديد } ، في الحرب ، { فجاسوا } ، أي : فطافوا وداروا ، { خلال الديار } ، وسطها يطلبونكم ويقتلونكم ، والجوس طلب الشيء بالاستقصاء . قال الفراء : جاسوا قتلوكم بين بيوتكم . { وكان وعداً مفعولاً } ، قضاء كائناً لا خلف فيه .
( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ، وكان وعدا مفعولا ) .
فهذه هي الأولى : يعلون في الأرض المقدسة ، ويصبح لهم فيها قوة وسلطان ، فيفسدون فيها . فيبعث الله عليهم عبادا من عباده أولي بأس شديد ، وأولي بطش وقوة ، يستبيحون الديار ، ويروحون فيها ويغدون باستهتار ، ويطأون ما فيها ومن فيها بلا تهيب )وكان وعدا مفعولا )لا يخلف ولا يكذب .
{ فإذا جاء وعد أولاهما } وعد عقاب أولاهما . { بعثنا عليكم عبادا لنا } بختنصر عامل لهراسف على بابل وجنوده . وقيل جالوت الجزري . وقيل سنحاريب من أهل نينوى . { أولي بأس شديد } ذوي قوة وبطش في الحرب شديد . { فجاسوا } فترددوا لطلبكم . وقرئ بالحاء المهملة وهما أخوان . { خلال الديار } وسطها للقتل والغارة فقتلوا كبارهم وسبوا صغارهم وحرقوا التوراة وخربوا المسجد . والمعتزلة لما منعوا تسليط الله الكافر على ذلك أولوا البعث بالتخلية وعدم المنع . { وكان وعدا مفعولا } وكان وعد عقابهم لا بد أن يفعل .
الوعد مصدر بمعنى المفعول ، أي موعود أولى المرتين ، أي الزمان المقدر لحصول المرة الأولى من الإفساد والعلو ، كقوله : { فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً } [ الكهف : 98 ] .
ومثل ذلك قوله : { وكان وعداً مفعولا } أي معمولاً ومنفذاً .
وإضافة { وعد } إلى { أولاهما } بيانية ، أي الموعود الذي هو أولى المرتين من الإفساد والعلو .
والبعث مستعمل في تكوين السير إلى أرض إسرائيل وتهيئة أسبابه حتى كأن ذلك أمر بالمسير إليهم كما مر في قوله : { ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } في سورة [ الأعراف : 167 ] ، وهو بعث تكوين وتسخير لا بعث بوحي وأمر .
وتعدية { بعثنا } بحرف الاستعلاء لتضمينه معنى التسليط كقوله : { ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } [ الأعراف : 167 ] .
والعِباد : المملوكون ، وهؤلاء عباد مخلوقية ، وأكثر ما يقال : عباد الله . ويقال : عَبيد ، بدون إضافة ، نحو { وما ربك بظلام للعبيد } [ فصلت : 46 ] ، فإذا قصد المملوكون بالرق قيل : عَبيد ، لا غير . والمقصود بعباد الله هنا الأشوريون أهل بابل وهم جنود بختنصر .
والبأس : الشوكة والشدة في الحرب . ووصفه بالشديد لقوته في نوعه كما في آية سورة سليمان [ النمل : 33 ] : { قالوا نحن أولو قوة وأولوا بأس شديد . } وجملة فجاسوا } عطف على { بعثنا } فهو من المقضي في الكتاب . والجوس : التخلل في البلاد وطرقها ذهاباً وإياباً لتتبع ما فيها . وأريد به هنا تتبّع المقاتلة فهو جوس مضرة وإساءة بقرينة السياق .
و ( خلال ) اسم جاء على وزن الجموع ولا مفرد له ، وهو وسط الشيء الذي يتخلل منه . قال تعالى : { فترى الودق يخرج من خلاله } [ الروم : 48 ] .
والتعريف في الديار } تعريف العهد ، أي دياركم ، وذلك أصل جعل ( ال ) عوضاً عن المضاف إليه . وهي ديار بلد أورشليم فقد دخلها جيش بختنصر وقتل الرجال وسبى ، وهدم الديار ، وأحرق المدينة وهيكل سليمان بالنار . ولفظ ( الديار ) يشمل هيكل سليمان لأنه بيت عبادتهم ، وأسر كل بني إسرائيل وبذلك خلت بلاد اليهود منهم . ويدل لذلك قوله في الآية الآتية : { وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.