نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا} (5)

{ فإذا جاء وعد أولاهما } أي وقته الذي حددناه له للانتقام فيه { بعثنا } أي بعظمتنا ؛ ونبه على أنهم أعداء بقوله : { عليكم } ونبه على عظمته ، قدرته وسعة ملكه بقوله تعالى : { عباداً لنا } أي لا يدان لكم بهم لما وهبنا لهم من عظمتنا { أولي بأس } أي عذاب وشدة في الحرب شديدة { شديد فجاسوا } أي ترددوا مع الظلم والعسف وشديد السطوة ؛ والجوس : طلب الشيء باستقصاء { خلال } أي بين { الديار } الملزوم لقهر أهلها وسفولهم بعد ذلك العلو الكبير ؛ والخلال : انفراج ما بين الشيئين وأكثر لضرب من الوهن { وكان } أي ذلك البعث ووعد العقاب به { وعداً مفعولاً * } أي لا شك في وقوعه ولا بد أن يفعل لأنه لا حائل بيننا وبينه ، ولا يبدل القول إلا عاجز أو جاهل ؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم جالوت وجنوده ؛ وعن سعيد بن المسيب أنهم بختنصر وجنوده ؛ وعن الحسن : العمالقة ؛ وعن سعيد بن جبير : سنجاريب وجنوده ؛ قال في السفر الخامس من التوراة إشارة إلى هذه المرة الأولى - والله أعلم : وإن أنتم لم تسمعوا قول الله ربكم ولم تحفظوا ولم تعملوا بجميع سننه التي آمركم بها اليوم ، ينزل بكم هذا اللعن الذي أقص عليكم كله ، ويدرككم العقاب ، وتكونوا ملعونين في القرية والسفر وفي الحضر ، ويلعن نسلكم وثمار أرضكم ، وتكونوا ملعونين إذا دخلتم ، وملعونين إذا خرجتم ، ينزل بكم الرب البلاء والحشرات ، وينزل بكم الضربات الشديدة وبكل شيء تمدون أيديكم إليه لتعملوه حتى يهلككم ويتلفكم سريعاً ، من أجل سوء أعمالكم وترككم لعبادتي ، يسلط الله عليكم الموت فيهلككم من الأرض التي تدخلونها لترثوها ، يضربكم الله بحيران العقل والبهق والبرص ، وبالحريق باشتمال النار ، وباليرقان والجرب والسموم ، ويسلط عليكم هذه الشعوب حتى تهلكوا ، وتكون السماء التي فوقكم عليكم شبه النحاس ، والأرض التي تحتكم شبه الحديد ، ويصير الرب مطر أرضهم غباراً ويكسركم الرب بين يدي أعدائكم ، تخرجون إليهم في طريق واحدة وتهربون في سبعة طرق ، وتكونون مثلاً وفزعاً لجميع مملكات الأرض ، وتكون جيفكم طعاماً لجميع السباع وطيور السماء ، ولا يذب أحد عنكم ، ويضربكم الرب بالجراحات التي ضرب بها أهل مصر ، ويبليكم بالبرص والزحير وبالحكة ، ولا يكون لكم شفاء من ذلك ، ويضربكم الرب بالعمى والكمه ورعب القلب ، وتكونون تجسسون في الظهيرة مثل ما يتجسس العميان ، ولا يتم شيء مما تعملون ، ولا يكون له تمام ، وتكونون مقهورين مظلومين مغصوبين كل أيام حياتكم ولا يكون لكم منقذ ، تخطبون المرأة فيتزوجها غيركم ، وتبنون بيتاً ويسكنه غيركم ، وتغرسون كروماً ولا تعصرون منها ، وتذبحون ثيرانكم بين أيديكم ولا تأكلون منها شيئاً ، ويؤخذ حمارك ظلماً ولا تقدر أن تخلصه ، ويسوق العدو أغنامكم ولا يكون لكم منقذ ، ويسبي بنيك وبناتك شعب آخر وتنظر إليهم ولا تقدر لهم على خلاص ، وتشقى وتغتم نهارك كله أجمع ولا يكون لك حيلة ، وثمار أرضك وكل كدك يأكله شعب لا تعرفه ، وتكون مضطهداً مظلوماً طول عمرك ، ويضربك الرب بجرح رديء على ركبتيك وساقيك ولا يكون لك ، ويسلط عليك الجراحات من قرنك إلى قدمك ويسوقك الرب ، ويسوق ملكك الذي ملكته عليك إلى شعب لم يعرفه أبوك ، وتعبد هناك آلهة عملت من خشب وحجارة ، وتكون مثلاً وعجباً ويفكر فيك كل من يسمع خبرك ثم قال : ويولد لك بنون وبنات ولا يكونون لك بل يسبون ، وينطلق بهم مسبيين .

ثم قال : ويسلط الرب عليك شعباً يأتيك وأنت جائع ظمآن ، وتخدم أعداءك الذين يسلطهم الله عليك من بعيد من أقصى الأرض ، ويسرع إليك مثل طيران النسر شعب لا تعرف لغتهم شعب وجوههم صفيقة لا تستحيي من الشيوخ ، ولا ترحم الصبيان ، ويضيق عليك في جميع قراك حتى يظفر بسوراتك المشيدة التي تتوكل عليها وتثق بها ، وتضطر حتى تأكل لحم ولدك من الحاجة والضيق الذي يضيق عليك عدوك ، والرجل المدلل منكم المتلذذ المفيق تنظر عيناه إلى أخيه وحليلته وإلى من بقي من ولده جائعاً ولا يعطيهم من لحم ابنه الذي يأكل ، لأنه لا يبقى عنده شيء من الاضطهاد والضيق الذي يضيق عليك عدوك في كل قراك ، والمرأة المخدرة المدللة المفيقة التي لم تطأ الأرض قدماها من الدلال تنظر عيناها إلى زوجها وإلى ابنها وبنتها وإلى ولدها التي تلد ، وهي تأكلهم ، وذلك من الحاجة والفقر وعدم الطعام مما يضيق عليك عدوك ويضطهدك في جميع قراك .