الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا} (5)

فأتى مجالسهم فسمعهم يقولون : لو علم عدونا ما قذف في قلوبنا من الرعب بذنوبنا ما أرادوا قتالنا ، فخرج بختنصر حين سمع ذلك منهم واشتد القيام على الجيش فرجعوا فذلك قوله : { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد } الآية [ 5 ] : ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم فاستنفدوا{[40392]} ما في أيديهم ، فذلك قوله : { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } الآية [ 6 ]{[40393]} . و " نفيرا{[40394]} " معناه عددا{[40395]} .

وقال ابن زيد : كان إفسادهم الأول{[40396]} قتل زكرياء{[40397]} ، والثاني قتل يحيي{[40398]} . فسلط الله عليهم سابور{[40399]} ذا{[40400]} الاكتاف ، وهو ملك من ملوك فارس ، في قتل زكرياء ، وسلط عليهم بختنصر في قتل يحيي{[40401]} .

وقال قتادة : بعث عليهم أول مرة جالوت والثانية بختنصر{[40402]} .

ومعنى قوله : { فإذا جاء وعد أولاهما } [ 5 ] أي : أول{[40403]} المرتين اللتين{[40404]} قضينا إلى بني إسرائيل ، أي أو [ ل ]{[40405]} . الفسادين{[40406]} .

وقوله : { فجاسوا خلال الديار } [ 5 ] .

{[40407]}أي : ترددوا بين الدور والمساكن وذهبوا وجاءوا{[40408]} .

وقال ابن عباس{[40409]} : " جاسوا " مشوا{[40410]} . وقال الزجاج : الجوس طلب الشيء باستقصاء{[40411]} . فمعناه : طلبوا هل يجدون أحدا .

وقال بعض أهل اللغة : معنى " جاسوا " قتلوا{[40412]} .

وقوله : { كان وعدا مفعولا } [ 5 ] .

أي : كان جوس القوم خلال ديار بني إسرائيل وعدا من الله [ عز وجل ]{[40413]} ، لا يخلف . قال ابن عباس وقتادة : أتاهم في المرة الأولى جالوت فجاس خلال ديار بني إسرائيل وضرب عليهم الخراج والذل . فسألوا الله [ عز وجل ]{[40414]} أن يبعث إليهم ملكا يقاتلون في سبيل الله . فبعث الله{[40415]} طالوت . فقاتلوا جالوت ، فنصره الله ، وقتل جالوت ، على يدي داوود{[40416]} ورد الله [ عز وجل ]{[40417]} إلى بني إسرائيل ملكهم{[40418]} .

وعن مجاهد أنه قال : جاءهم بختنصر في أول مرة من جهة فارس فهزمهم بنو{[40419]} إسرائيل ، ثم رجعوا ثانية فقتلوا بني إسرائيل ودمر[ و{[40420]} ] هم تدميرا ، وجلوهم عن بيت المقدس فلم يصلوا إلى دخوله سبعين سنة .

وروي عن مجاهد أنه قال : إنما جاءهم في أول مرة قوم من أهل فارس معهم بختنصر يتجسسون أخبارهم ثم رجعت فارس وقد وعى بختنصر أخبارهم دون أصحابه ، ولم يكن قتال{[40421]} .

وقيل : إنما جاءهم في المرة الأولى ، أي : بختنصر ومن معه من جبابرة فارس ، بعثه الله نقمة لهم حين أفسدوا وقتلوا يحيي بن زكرياء{[40422]} . ويروى : أن يحيي كان قد قال لهم : إياكم أن يقع من دمي شيء في الأرض فتهلك بنو{[40423]} إسرائيل . فذبحوه واحتفظوا بدمه ، فجعلوه في طست من ذهب . فوقعت منه نقطة في الأرض/فما{[40424]} زالت تفور وتغلي حتى هجم{[40425]} عليهم بختنصر{[40426]} .

فيروى{[40427]} : أنه ذبح على ذلك الدم سبعين ألفا من بني إسرائيل ، فهذا الدم . وسبى بني إسرائيل حتى سبى أبناءهم وخرج بهم إلى أرض العراق .

ويروى : أن الفساد الثاني الذي ارتكب بنو إسرائيل هو قتلهم زكرياء ويحيي عليهم السلام{[40428]} بعد أن أقاموا في الدعة والسلامة عشرين ومائتي سنة . فأرسل عليهم من قتلهم وسباهم ، وحرق بيت المقدس وأخرجه . فلم يزل الذين ظهروا عليهم ببيت المقدس حتى فتحه الله عز وجل في زمان عمر رضي الله عنه وفيه الروم فقتلوا وأخرجوا منه إلى الآن لا يدخلونه{[40429]} إلا مستخفين .


[40392]:ق: فاستفزوا.
[40393]:ساقط من ط.
[40394]:ط: تفسيرا.
[40395]:ط: عديدا. وانظر: قولهما في جامع البيان 15/21 والجامع 10/141، والدر 5/239.
[40396]:ق: الأولى.
[40397]:ط: زكرياء صم.
[40398]:ط: يحيي صم.
[40399]:ط: سافور.
[40400]:في النسختين: ذو.
[40401]:انظر: قوله في جامع البيان 15/22، والدر 5/243.
[40402]:سيأتي قول قتادة منسوبا لابن عباس أيضا عند تفسير قوله تعالى: {وكان وعدا مفعولا} وانظره في جامع البيان 15/28، والدر 5/239.
[40403]:ط: أولم.
[40404]:ط: اللتين التي.
[40405]:ساقط من ق. وفي ط: "أولى".
[40406]:ق: "الفاسدين". انظر: هذا القول في معاني الفراء 2/116، ومعاني الزجاج 3/227.
[40407]:ط: اللتين التي.
[40408]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/27.
[40409]:ساقط من ق. وفي ط: "أولى".
[40410]:انظر: قوله في جامع البيان 15/27.
[40411]:انظر: قوله في معاني الزجاج 3/227، وإعراب النحاس 2/415، واللسان (جوس).
[40412]:انظر: هذا القول في معاني الفراء 2/116، ومجاز القرآن 1/370 وغريب القرآن 251 وجامع البيان 15/27، والجامع 10/142.
[40413]:ساقط من ط.
[40414]:ساقط من ط.
[40415]:ط: فبعث إليهم.
[40416]:ط : داوود صم.
[40417]:ساقط من ق.
[40418]:انظر: قولهما في جامع البيان 15/28.
[40419]:ط: بني.
[40420]:ساقط من ط.
[40421]:انظر: قوله في جامع البيان 15/30.
[40422]:ط: "زكرياء صم".
[40423]:ط: "بني".
[40424]:ق: "فما فما".
[40425]:ق: تقعم.
[40426]:وهو قول ابن عباس أخرجه الحاكم في المستدرك 1/290.
[40427]:ق: فيرون.
[40428]:ط: هم.
[40429]:ق: لا يدخلوانه.