الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا} (5)

وقوله سبحانه : { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أولاهما } [ الإسراء : 5 ] .

الضمير في قوله : { أولاهما } عائدٌ على قوله { مَرَّتَيْنِ } [ الإسراء : 4 ] وعبَّر عن الشر ب«الوعد » لأنه قد صرَّح بذكْرِ المعاقبة .

قال ( ص ) : { وَعْدُ أولاهما } [ الإسراء : 5 ] أي : موعود ، وهو العقاب ، لأن الوعد سبق بذلك ، وقيلَ : هو على حذف مضاف ، أي وعد عقاب أولاهما ، انتهى . وهو معنى ما تقدَّم ، واختلف الناس في العبيد المبعوثِينَ ، وفي صورة الحال اختلافا شديداً متباعِداً ، عيونُهُ أنَّ بني إِسرائيل عَصَوْا وقتلوا زكريَّاء عليه السلام ، فغزاهُمْ سِنْحارِيبُ مَلِك بابل ، قاله ابن إسحاق وابن جَبْير .

وقال ابن عباس : غزاهُمْ جالوتُ من أهْل الجزيرة ، وقيل : غزاهم بُخْتَنَصَّرَ ، وروي أنه دخل قَبْلُ في جيش من الفرس ، وهو خامل يسير في مَطْبَخ الملك ، فاطلع مِنْ جور بني إِسرائيل على ما لم تعلمه الفُرْسُ ، فَلمَّا انصرف الجيشُ ، ذكر ذلك للملك الأعظَمِ ، فلما كان بعد مدَّة ، جعله الملك رئيسَ جيشٍ ، وبعثه فخرَّب بيت المقدس ، وقتلهم ، وأجلاهم ، ثم انصرَفَ ، فوجد المَلِكَ قد ماتَ ، فمَلَكَ موضعه ، واستمرت حاله حتى ملك الأرْضَ بعد ذلك .

وقالت فرقة : إنما غزاهم بُخْتَنَصَّرَ في المرَّة الأخيرة حين عَصَوْا وقتلوا يحيى بن زَكَرِيَّاءَ ، وصورة قتله : أن الملك أراد أنْ يتزوج بِنْتَ امرأته ، فنهاه يحيى عَنْها ، فعزَّ ذلك على امرأته ، فزَّينت بنْتَها ، وجعَلَتها تسقي المَلِك الخمر ، وقالت لها : إِذا راوَدَكَ عن نفسك ، فتمنَّعي حَتَّى يعطيَكِ المَلِكُ ما تَتَمَنَّيْنَ ، فإِذا قال لك : تَمنِّي عَلَيَّ ما أردتِّ ، فقولي : رأسَ يحيى بن زكرياء ، ففعلَتِ الجارية ذلك ، فردَّها الملك مرَّتَيْنِ ، وأجابها في الثالثة ، فجيء بالرأْسِ في طَسْتٍ ، ولسانُهُ يتكلَّم ، وهو يقول : لا تحلُّ لك ، وجرى دمُ يحيى ، فلم ينقطعْ ، فجعل الملك عليه التُرابَ ، حتى ساوى سور المدينةِ ، والدمُ ينبعث ، فلما غزاهم المَلِكُ الذي بُعِثَ عليهم بحسب الخِلاَفِ الذي فيه ، قَتَلَ منهم على الدمِ سبعين ألْفاً حتى سكَنَ ؛ هذا مقتضى خبرهم ، وفي بعض الروايات زيادة ونقصٌ ، وقرأ الناس : «فَجَاسُوا » ، وقرأ أبو السَّمَّال : بالحاء ، وهما بمعنى الغلبةِ والدخولِ قهراً ، وقال مُؤَرِّجٌ : جَاسُوا خِلاَلَ الأزِقَّةَ ( ت ) .

قال ( ص ) : { جَاسُواْ } مضارعُه يَجُوسُ ، ومصدره جَوْسٌ وجَوَسَانٌ ، ومعناه : التردُّد ، و{ خِلاَلَ } ظرف ، أي : وسط الديار انتهى .