اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا} (5)

قوله : { وَعْدُ } أي : موعود ، فهو مصدر واقع موقع مفعول ، وتركه الزمخشريُّ على حاله ، لكن بحذف مضافٍ ، أي : وعدُ عقاب أولاهما . وقيل : الوعدُ بمعنى الوعيد ، وقيل : بمعنى الموعد الذي يراد به الوقت ، فهذه أربعة أوجهٍ ، والضمير عائدٌ على المرَّتينِ .

قوله : " عِبَاداً لَنَا " العامة على " عِبَاد " بزنة فِعَال ، وزيد بن عليٍّ والحسن " عَبِيداً " على فعيل ، وتقدَّم الكلام على ذلك .

وقوله : " فَجاسُوا " عطف على " بَعثْنَا " ، أي : ترتَّب على بعثنا إياهم هذا . وجُوس بفتح الجيم وضمها مصدر جاسَ يَجُوسُ ، أي : فتَّش ونقَّب ، قاله أبو عبيدٍ ، وقال الفراء{[20202]} : " قَتلُوا " قال حسان : [ الطويل ]

ومِنَّا الَّذي لاقَى بِسيْفِ مُحمَّدٍ *** فَجَاسَ بِهِ الأعْداءُ عَرْضَ العَساكرِ{[20203]}

وقال أبو زيد : " الجُوسُ والجَوْسُ والحَوْسُ والهَوْسُ طلب الطَّوف باللَّيْلِ " . وقال قطربٌ : " جَاسُوا : نَزلُوا " . وأنشد : [ المتقارب ]

فَجُسْنَا دِيَارهُمْ عَنْوَةً *** وأبْنَا بِسَاداتِهمْ مُوثَقِينَا{[20204]}

وقيل : " جَاسُوا بمعنى دَاسُوا " ، وأنشد : [ الرجز ]

إلَيْكَ جُسْنَا اللَّيْلَ بالمَطِيِّ{[20205]} *** وقيل : الجَوْسُ : التردُّد . قال الليث : الجَوْس ، والجوسان : التردُّد وقيل : طلب الشيءِ باستقصاءٍ ، ويقال : " حَاسُوا " بالحاءِ المهملة ، وبها قرأ{[20206]} طلحةُ وأبو السَّمَّال ، وقُرِئ{[20207]} " فجُوِّسُوا " بالجيم ، بزنة نُكِّسُوا .

و " خلال الدِّيارِ " العامة على " خِلال " وهو محتملٌ لوجهين :

أحدهما : أنه جمعُ خللٍ ؛ كجِبال في جبل ، وجمال في جَمل .

والثاني : أنه اسمٌ مفردٌ بمعنى وسطٍ ، ويدل له قراءة{[20208]} الحسن " خَلَلَ الدِّيارِ " .

قوله : " وكان وعْداً " ، أي : وكان الجوسُ ، أو وكان وعْدُ أولاهما ، أو وكان وعدُ عقابهم .


[20202]:ينظر: معاني القرآن للفراء 20/116.
[20203]:ينظر: القرطبي 10/142، الدر المصون 3/371 والبحر المحيط 6/4.
[20204]:ينظر البيت في شواهد البحر 6/4، القرطبي 10/142، الدر المصون 4/371.
[20205]:ينظر البيت في البحر 6/4، والدر المصون 4/372.
[20206]:ينظر: البحر 6/9، والدر المصون 4/372، والكشاف 2/469.
[20207]:ينظر: الشواذ 75، والكشاف 2/469، والبحر 6/9، والدر المصون 4/372.
[20208]:ينظر الإتحاف 2/193، والكشاف 2/469، والبحر 6/6، والدر المصون 4/372.