معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ وَصِيَّةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٞ} (12)

قوله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين } . هذا في ميراث الأزواج .

قوله تعالى : { ولهن الربع } . يعني للزوجات الربع .

قوله تعالى : { مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } . هذا في ميراث الزوجات وإذا كان للرجل أربع نسوة فهن يشتركن في الربع والثمن .

قوله تعالى : { وإن كان رجل يورث كلالةً أو امرأة } تورث كلالة ونظم الآية وإن كان رجل أو امرأة يورث كلالةً وهو نصب على المصدر وقيل : على خبر ما لم يسم فاعله ، وتقديره : إن كان رجل يورث ماله كلالة . واختلفوا في الكلالة : فذهب أكثر الصحابة إلى أن الكلالة من لا ولد له ولا والد له . وروي عن الشعبي قال : سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة فقال : إني سأقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ، أراه ما خلا الوالد والولد ، فلما استخلف عمر رضي الله عنهما قال : إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً قاله أبو بكر رضي الله عنه . وذهب طاووس إلى أن الكلالة من لا ولد له ، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما وآخر القولين عن عمر رضي الله عنه ، واحتج من ذهب إلى هذا بقول الله تعالى : { قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد } وبيانه عند العامة مأخوذ من حديث جابر بن عبد الله لأن الآية نزلت فيه ولم يكن له يوم نزولها أب ولا ابن لأن أباه عبد الله بن حزام قتل يوم أحد وآية الكلالة نزلت في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم فصار شأن جابر بياناً لمراد الآية لنزولها فيه ، واختلفوا في أن الكلالة اسم لمن ؟ منهم من قال : اسم للميت ، وهو قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما ، لأنه مات عن ذهاب طرفيه فكل عمود نسبه . ومنهم من قال اسم للورثة ، وهو قول سعيد بن جبير ، لأنهم يتكللون الميت من جوانبه ، وليس في عمود نسبة أحد ، كالإكليل يحيط بالرأس ووسط الرأس منه خال ، وعليه يدل حديث جابر رضي الله عنه حيث قال : إنما يرثني كلالة أي : يرثني ورثة ليسوا بولد ولا والد ، وقال النضر بن شميل : الكلالة اسم للمال ، وقال أبو الخير : سأل رجل عقبة عن الكلالة فقال : ألا تعجبون من هذا ؟ يسألني عن الكلالة وما أعضل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما أعضلت بهم الكلالة . وقال عمر رضي الله عنه : ثلاث لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بينهن لنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها : الكلالة والخلافة وأبواب الربا . وقال معدان بن أبي طلحة : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ، ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي في الكلالة ، حتى طعن بأصبعه في صدري فقال : " يا عمر : ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ؟ وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن " وقوله : ألا تكفيك آية الصيف ؟ أراد : أن الله عز وجل أنزل في الكلالة آيتين : إحداهما في الشتاء ، وهي التي في أول سورة النساء . والأخرى في الصيف وهي التي في آخرها وفيها من البيان ما ليس في آية الشتاء ، فلذلك أحاله عليها .

قوله تعالى : { وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } . أراد به الأخ والأخت من الأم بالاتفاق ، قرأ سعد بن أبي وقاص " وله أخ أو أخت من أم " ولم يقل لهما مع ذكر الرجل والمرأة من قبل ، على عادة العرب إذا ذكرت اسمين ثم أخبرت عنهما وكانا في الحكم سواءً ربما أضافت إلى أحدهما وربما أضافت إليهما ، كقوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة }

قوله تعالى : { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } . فيه إجماع أن أولاد الأم إذا كانوا اثنين فصاعداً يشتركون في الثلث ذكرهم وأنثاهم . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبته : ألا إن الآية التي أنزل الله تعالى في أول سورة النساء في بيان الفرائض أنزلها في الولد والوالد والأم ، والآية الثانية في الزوج والزوجة والإخوة من الأم ، والآية التي ختم بها سورة النساء في الإخوة والأخوات من الأب والأم ، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .

قوله تعالى : { من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار } . أي غير مدخل الضرر على الورثة بمجاوزة الثلث في الوصية ، قال الحسن هو أن يوصي بدين ليس عليه .

قوله تعالى : { وصيةً من الله والله عليم حليم } . قال قتادة : كره الله الضرار في الحياة وعند الموت ، ونهى عنه وقدم فيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ وَصِيَّةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٞ} (12)

1

ثم يمضي يبين بقية الفرائض :

( ولكم نصف ما ترك أزواجكم - إن لم يكن لهن ولد - فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن - من بعد وصية يوصين بها أو دين . ولهن الربع مما تركتم - إن لم يكن لكم ولد - فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم - من بعد وصية توصون بها أو دين - ) . .

والنصوص واضحة ودقيقة فللزوج نصف تركة الزوجة إذا ماتت وليس لها ولد - ذكرا أو أنثى - فأما إذا كان لها ولد - ذكرا أو أنثى ، واحدا أو أكثر - فللزوج ربع التركة . وأولاد البنين للزوجة يحجبون الزوج من النصف إلى الربع كأولادها . وأولادها من زوج آخر يحجبون الزوج كذلك من النصف إلى الربع . . وتقسم التركة بعد الوفاء بالدين ثم الوصية . كما سبق .

والزوجة ترث ربع تركة الزوج - إن مات عنها بلا ولد - فإن كان له ولد - ذكرا أو أنثى . واحدا أو متعددا . منها أو من غيرها . وكذلك أبناء ابن الصلب - فإن هذا يحجبها من الربع إلى الثمن . . والوفاء بالدين ثم الوصية مقدم في التركة على الورثة . .

والزوجتان والثلاث والأربع كالزوجة الواحدة ، كلهن شريكات في الربع أو الثمن .

والحكم الأخير في الآية الثانية حكم من يورث كلالة :

( وإن كان رجل يورث كلالة - أو امرأة - وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس . فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ) . .

والمقصود بالكلالة من يرث الميت من حواشيه - لا من أصوله ولا من فروعه - عن صلة ضعيفة به ليست مثل صلة الأصول والفروع . وقد سئل أبو بكر - رضي الله عنه - عن الكلالة فقال : أقول فيها برأيي . فإن يكن صوابا فمن الله . وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان . والله ورسوله بريئان منه : الكلالة من لا ولد له ولا والد . فلما ولي عمر قال : إني لأستحيي أن أخالف أبا بكر في رأي رآه . [ رواه ابن جرير وغيره عن الشعبي ] . .

قال ابن كثير في التفسير : " وهكذا قال علي وابن مسعود . وصح عن غير واحد عن ابن عباس ، وزيد ابن ثابت . وبه يقول الشعبي والنخعي والحسن وقتادة وجابر بن زيد والحكم . وبه يقول أهل المدينة ، وأهل الكوفة ، والبصرة . وهو قول الفقهاء السبعة ، والأئمة الأربعة ، وجمهور السلف والخلف . بل جميعهم . وقد حكى الإجماع عليه غير واحد " . .

( وإن كان رجل يورث كلالة - أو امرأة - وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس . فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ) . .

وله أخ أو أخت - أي من الأم - فلو كانا من الأبوين أو من الأب وحده لورثا وفق ما ورد في الآية الأخيرة من السورة للذكر مثل حظ الأنثيين : لا السدس لكل منهما سواء كان ذكرا أم أنثى . فهذا الحكم خاص بالأخوة من الأم . إذ أنهم يرثون بالفرض - السدس لكل من الذكر أو الأنثى - لا بالتعصيب ، وهو أخذ التركة كلها أو ما يفضل منها بعد الفرائض :

( فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ) . .

مهما بلغ عددهم ونوعهم . والقول المعمول به هو أنهم يرثون في الثلث على التساوي . وإن كان هناك قول بأنهم - حينئذ - يرثون في الثلث : للذكر مثل حظ الأنثيين . ولكن الأول أظهر لأنه يتفق مع المبدأ الذي قررته الآية نفسها في تسوية الذكر بالأنثى : ( فلكل واحد منهما السدس ) . .

والإخوة لأم يخالفون - من ثم - بقية الورثة من وجوه :

أحدها : أن ذكورهم وإناثهم في الميراث سواء .

والثاني : أنهم لا يرثون إلا أن يكون ميتهم يورث كلالة . فلا يرثون مع أب ولا جد ولا ولد ولا ولد ابن .

والثالث : أنهم لا يزادون على الثلث وإن كثر ذكورهم وإناثهم .

( من بعد وصية يوصى بها أو دين - غير مضار ) . .

تحذيرا من أن تكون الوصية للإضرار بالورثة . لتقام على العدل والمصلحة . مع تقديم الدين على الوصية . وتقديمهما معا على الورثة كما أسلفنا . .

ثم يجيء التعقيب في الآية الثانية - كما جاء في الآية الأولى - :

( وصية من الله . والله عليم حليم ) . .

وهكذا يتكرر مدلول هذا التعقيب لتوكيده وتقريره . . فهذه الفرائض ( وصية من الله )صادرة منه ؛ ومردها إليه . لا تنبع من هوى ، ولا تتبع الهوى . صادرة عن علم . . فهي واجبة الطاعة لأنها صادرة من المصدر الوحيد الذي له حق التشريع والتوزيع . وهي واجبة القبول لأنها صادرة من المصدر الوحيد الذي عنده العلم الأكيد .

/خ14

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ وَصِيَّةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٞ} (12)

يقول تعالى : ولكم - أيها الرجال - نصف ما ترك أزواجكم إذا مُتْن عن غير ولد ، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد [ وصية ]{[6742]} يوصين بها أو دين . وقد تقدم أن الدين مقدم على الوصية ، وبعده الوصية ثم الميراث ، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ، وحكم أولاد البنين وإن سفلوا حكم أولاد الصلب .

ثم قال : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ]{[6743]} } إلخ ، وسواء في الربع أو الثمن الزوجة والزوجتان الاثنتان والثلاث والأربع يشتركن{[6744]} فيه .

وقوله : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ } إلخ ، الكلام عليه كما تقدم .

وقوله : { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً } الكلالة : مشتقة من الإكليل ، وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه ، والمراد هنا{[6745]} من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه ، كما روى الشعبي عن أبي بكر الصديق : أنه سئل عن الكلالة ، فقال : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابًا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه : الكلالة من لا ولد له ولا والد . فلما ولي عمر بن الخطاب قال : إني لأستحيي{[6746]} أن أخالف أبا بكر في رأي رآه . رواه ابن جرير وغيره{[6747]} .

وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ، حدثنا سفيان ، عن سليمان الأحول ، عن طاوس قال : سمعت عبد الله بن عباس يقول : كنت آخر الناس عهدا بعمر بن الخطاب ، فسمعته يقول : القول ما قلت ، وما قلت{[6748]} وما قلت . قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد{[6749]} .

وهكذا قال علي بن أبي طالب وابن مسعود ، وصح عن{[6750]} غير وجه عن عبد الله بن عباس ، وزيد بن ثابت ، وبه يقول الشعبي والنخعي ، والحسن البصري ، وقتادة ، وجابر بن زيد ، والحكم . وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة . وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف{[6751]} بل جميعهم . وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد ، وورد فيه حديث مرفوع . قال أبو الحسين بن اللبان : وقد روي عن ابن عباس ما يخالف ذلك ، وهو أنه لا ولد له . والصحيح عنه الأول ، ولعل الراوي ما فهم عنه{[6752]} ما أراد .

وقوله : { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } أي : من أم ، كما هو في قراءة بعض السلف ، منهم سعد بن أبي وقاص ، وكذا فسرها أبو بكر الصديق فيما رواه{[6753]} قتادة عنه ، { فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }

وإخوة الأم يخالفون بقية الورثة من وجوه ، أحدها : أنهم يرثون مع من أدلوا به وهي الأم . الثاني : أن ذكرهم وأنثاهم سواء . الثالث : أنهم لا يرثون إلا إذا كان ميتهم يورث كلالة ، فلا يرثون مع أب ، ولا جد ، ولا ولد ، ولا{[6754]} ولد ابن . الرابع : أنهم لا يزادون{[6755]} على الثلث ، وإن كثر{[6756]} ذكورهم وإناثهم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وَهْب ، أخبرنا يونس ، عن الزهري قال : قضى عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أن ميراث الإخوة من الأم بينهم ، للذكر مثل الأنثى{[6757]} قال محمد بن شهاب الزهري : ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علم بذلك{[6758]} من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذه الآية التي قال الله تعالى : { فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }

واختلف العلماء في المسألة المشتركة ، وهي : زوج ، وأم أو جدة ، واثنان{[6759]} من ولد الأم وواحد{[6760]} أو أكثر من ولد الأبوين . فعلى قول الجمهور : للزوج النصف ، وللأم أو الجدة السدس ، ولولد الأم الثلث ، ويشاركهم فيه ولد الأب والأم بما بينهم من القدر المشترك وهو إخوةُ الأم .

وقد وقعت هذه المسألة في زمن{[6761]} أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فأعطى الزوج النصف ، والأم السدس ، وجعل الثلث لأولاد الأم ، فقال له أولاد الأبوين : يا أمير المؤمنين ، هب أن أبانا كان حمارا ، ألسنا من أم واحدة ؟ فشرك بينهم .

وصح التشريك عنه وعن أمير المؤمنين عثمان ، وهو إحدى الروايتين عن ابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، رضي الله عنهم . وبه يقول سعيد بن المسيب ، وشريح القاضي ، ومسروق ، وطاوس ، ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، والثوري ، وشريك وهو مذهب مالك والشافعي ، وإسحاق بن راهويه .

وكان علي بن أبي طالب لا يشرك بينهم ، بل يجعل الثلث لأولاد الأم ، ولا شيء لأولاد الأبوين ، والحالة هذه ، لأنهم عصبة . وقال وَكِيع بن الجراح : لم يختلف عنه في ذلك ، وهذا قول أبي بن كعب وأبي موسى الأشعري ، وهو المشهور عن ابن عباس ، وهو مذهب الشعبي وابن أبي ليلى ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والحسن بن زياد ، وزُفَر بن الهُذيل ، والإمام أحمد بن حنبل ، ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد ، وأبي ثور ، وداود بن علي الظاهري ، واختاره أبو الحسين بن اللبان الفرضي ، رحمه الله ، في كتابه " الإيجاز " .

وقوله : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ } أي : لتكون{[6762]} وصيته على العدل ، لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة ، أو ينقصه ، أو يزيده على ما قدرَ الله له من الفريضة فمتى سعى في ذلك كان كمن ضاد الله في حكمته{[6763]} وقسمته ؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبي ، حدثنا أبو النضر الدمشقي الفراديسي ، حدثنا عُمَر بن المغيرة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الإضرار في الوصية من الكبائر " .

وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا{[6764]} وهو أبو حفص بصري سكن المصيصة ، قال أبو القاسم ابن عساكر : ويعرف بمفتي المساكين . وروى عنه غير واحد من الأئمة . وقال فيه أبو حاتم الرازي : هو شيخ . وقال علي بن المديني : هو مجهول لا أعرفه . لكن رواه النسائي في سننه عن علي ابن حجر ، عن علي بن مُسْهِر ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، موقوفًا :

" الإضرار في الوصية من الكبائر " . وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ، عن عائذ بن حبيب ، عن داود بن أبي هند . ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موقوفا{[6765]} وفي بعضها : ويقرأ ابن عباس : { غَيْرَ مُضَارٍّ }

قال ابن جريج{[6766]} والصحيح الموقوف .

ولهذا اختلف الأئمة في الإقرار للوارث : هل هو صحيح أم لا ؟ على قولين : أحدهما : لا يصح لأنه مظنة التهمة أن يكون قد أوصى له بصيغة الإقرار وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله قد أعْطَى كُلَّ ذِي حَق حَقَّه ، فلا وَصِيَّة لِوَارِثٍ " . وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ، وأحمد بن حنبل ، والقول القديم للشافعي ، رحمهم الله ، وذهب في الجديد إلى أنه يصح الإقرار . وهو مذهب طاوس ، وعطاء ، والحسن ، وعمر بن عبد العزيز .

وهو اختيار أبي عبد الله{[6767]} البخاري في صحيحه . واحتج بأنّ رَافع بن خديج أوصى ألا تُكْشَف{[6768]} الفَزَارية عما أغْلقَ عليه بابها قال : وقال بعض الناس : لا يجوز إقراره لسوء الظن به للورثة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إياكم والظنَّ ، فإن الظَّنَّ أكذبُ الحديث " . وقال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [ النساء : 58 ] فلم يخص وارثًا ولا غيره . انتهى ما ذكره .

فمتى كان الإقرارُ صحيحًا مطابقًا لما في نفس الأمر جَرَى فيه هذا الخلاف ، ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم ، فهو حرام بالإجماع وبنص هذه الآية الكريمة { غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } [ ثم قال الله ]{[6769]}


[6742]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6743]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6744]:في أ: "يشتركون".
[6745]:في أ: "هاهنا".
[6746]:في ر: "إنني لأستحي"، وفي جـ، أ: "إني أستحي".
[6747]:تفسير الطبري (8/54) ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (591) ومن طريقه رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/244) من طريق سفيان عن عاصم الأحول بنحوه.
[6748]:في ر: "القول".
[6749]:تفسير ابن أبي حاتم (2/ل115) ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (589) من طريق سفيان بن عيينة به.
[6750]:في جـ، ر، أ: "من".
[6751]:في جـ، ر: "الخلف والسلف".
[6752]:في جـ: "ولعل الراوي عنه ما فهم ما أراد".
[6753]:في أ: "فيما روى".
[6754]:في جـ: "وكذا".
[6755]:في أ: "يزدادون".
[6756]:في جـ: "كنا".
[6757]:في ر: "مثل حظ الأنثيين".
[6758]:في جـ: "ذلك".
[6759]:في جـ، أ: "وابنان".
[6760]:في ر: "وواحدا".
[6761]:في جـ، ر، أ: "زمان".
[6762]:في جـ، ر، أ: "لتكن"، وفي أ: "ليكن".
[6763]:في جـ: "حكمه".
[6764]:تفسير الطبري (8/66) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (6/271) من طريق عمر بن المغيرة به.
[6765]:سنن النسائي الكبرى برقم (11092) وتفسير الطبري (8/65).
[6766]:في أ: "ابن جرير".
[6767]:في أ: "واختاره أبو عبد الله".
[6768]:في جـ، ر، أ: "لا يكشف".
[6769]:زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ وَصِيَّةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٞ} (12)

وقوله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } الآية . الخطاب للرجال والولد ها هنا بنو الصلب وبنو ذكورهم وإن سفلوا ، ذكراناً وإناثاً ، واحداً فما زاد هذا بإجماع من العلماء .

قوله تعالى :

{ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مَمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنِ وَإن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِى الثُّلُثِ }

والولد في هذه الآية كما تقدم في الآية التي قبلها ، والثمن للزوجة أو للزوجات هن فيه مشتركات بإجماع ، ويلحق العول{[3882]} فرض الزوج والزوجة ، كما يلحق سائر الفرائض المسماة ، إلا عند ابن عباس ، فإنه قال : يعطيان فرضهما بغير عول ، والكلالة : مأخوذة من تكلل النسب : أي أحاط ، لأن الرجل إذا لم يترك والداً ولا ولداً فقد انقطع طرفاه ، وبقي أن يرثه من يتكلله نسبه ، أي يحيط به من نواحيه كالإكليل ، وكالنبات إذا أحاط بالشيء ، ومنه : روض مكلل بالزهر ، والإكليل منزل القمر يحيط به فيه كواكب ، ومن الكلالة قول الشاعر : [ المتقارب ]

فإنّ أبا الْمَرْءِ أحمَصُ له . . . ومولى الكَلاَلَةِ لا يَغْضَبُ{[3883]}

فالأب والابن هما عمودا النسب ، وسائر القرابة يكللون ، وقال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وسليم بن عبيد وقتادة والحكم وابن زيد والزهري وأبو إسحاق السبيعي : «الكلالة » خلو الميت عن الولد أالوالد ، وهذا هو الصحيح ، وقالت طائفة : هي خلو الميت من الولد فقط ، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعن عمر ، ثم رجعا عنه ، وروي عن ابن عباس ، وذلك مستقرأ من قوله في الإخوة مع الوالدين : إنهم يحيطون الأم ويأخذون ما يحطونها .

قال القاضي أبو محمد : هكذا حكى الطبري . ويلزم على قول ابن عباس إذ ورثهم بأن الفريضة «كلالة » أن يعطيهم الثلث بالنص ، وقالت طائفة منهم الحكم بن عتيبة : «الكلالة » الخلو من الوالد ، وهذان القولان ضعيفان ، لأن من بقي والده أو ولده ، فهو موروث بجزم نسب لا بتكلل ، وأجمعت الآن الأمة على أن الإخوة لا يرثون مع ابن ولا مع أب ، وعلى هذا مضت الأمصار والأعصار ، وقرأ جمهور الناس - «يورَث » بفتح الراء ، وقرأ الأعمش وأبو رجاء - «يورِّث » - بكسر الراء وتشديدها ، قال أبو الفتح بن جني{[3884]} : وقرأ الحسن «يورث » من أورث ، وعيسى{[3885]} «يورّث » بشد الراء من ورث ، والمفعولان على كلتا القراءتين محذوفان ، التقدير : يورث وارثه كلالة ، ونصب { كلالة } على الحال ، واختلفوا في «الكلالة » فيما وقعت عليه في هذه الآية ، فقال عمر وابن عباس : «الكلالة » الميت الموروث إذا لم يكن له أب ، ونصبها على خبر كان ، وقال ابن زيد : «الكلالة » الوارثة بجملتها ، الميت والأحياء كلهم «كلالة » ، ونصبها على الحال أو على النعت لمصدر محذوف تقديره وراثة «كلالة » ، ويصح على هذا أن تكون { كان } تامة بمعنى وقع ، ويصح أن تكون ناقصة وخبرها { يورث } وقال عطاء : «الكلالة » المال ، ونصب على المفعول الثاني .

قال القاضي أبو محمد : والاشتقاق في معنى لكلالة يفسد تسمية المال بها ، وقالت طائفة : الكلالة الورثةَ ، وهذا يستقيم على قراءة «يورِث » بكسر الراء ، فينصب { كلالة } على المفعول ، واحتج هؤلاء بحديث جابر بن عبد الله ، إذ عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنما يرثني «كلالة » أفأوصي بمالي كله ؟ وحكى بعضهم : أن تكون «الكلالة » الورثة ، ونصبها على خبر { كان } ، وذلك بحذف مضاف ، تقديره ذا كلالة ، ويستقيم سائر التأويلات على كسر الراء ، وقوله { أو امرأة } عطف على الرجل ، وقوله تعالى : { وله أخ أو أخت } الآية ، الضمير في له عائد على الرجل ، واكتفى بإعادته عليه دون المرأة ، إذ المعنى فيهما واحد ، والحكم قد ضبطه العطف الأول ، وأصل { أخت } : أخوة ، كما أصل بنت : بنية ، فضم أول أخت إذ المحذوف منها واو ، وكسر أول بنت إذ المحذوف ياء ، وهذا الحذف والتعليل على غير قياس ، وأجمع العلماء على أن الإخوة في هذه الآية الإخوة لأم ، لأن حكمهم منصوص في هذه الآية على صفة ، وحكم سائر الإخوة مخالف له ، وهو الذي في كلالة آخر السورة ، وقرأ سعد بن أبي وقاص «وله أخ أو أخت لأمه » والأنثى والذكر في هذه النازلة سواء ، وشركتهم في الثلث متساوية وإن كثروا ، هذا إجماع ، فإن ماتت امرأة وتركت زوجاً وأماً وإخوة أشقاء ، فللزوج النصف ، وللأم السدس وما بقي فللإخوة ، فإن كانوا لأم فقط ، فلهم الثلث ، فإن تركت الميتة زوجاً وأماً وأخوين لأم وإخوة لأب وأم ، فهذه الحمارية ، قال قوم : فيها للإخوة للأم الثلث ، ولا شيء لللإخوة الإشقاء ، كما لو مات رجل وخلف أخوين لأم ، وخلف مائة أخ لأب وأم ، فإنه يعطى الأخوان الثلث ، والمائة الثلثين ، فيفضلون بالثلث عليهم ، وقال قوم : الأم واحدة وهب أباهم كان حماراً ، وأشركوا بينهم في الثلث وسموها أيضاً المشتركة .

قال القاضي أبو محمد : ولا تستقيم هذه المسألة أن لو كان الميت رجلاً ، لأنه يبقى للأشقاء ، ومتى بقي لهم شيء فليس لهم إلا ما بقي ، والثلث للإخوة للأم .

{ غير مضار } نصب على الحال ، والعامل { يوصى } و { وصية } نصب على المصدر في موضع الحال ، والعامل { يوصيكم } وقيل : هو نصب على الخروج من قوله : { فلكل واحد منهما السدس } أو من قوله { فلهم شركاء في الثلث } ويصح أن يعمل { مضار } وفي { وصية } ، والمعنى : أن يقع الضرر بها ، وبسببها ، فأوقع عليها تجوزاً ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «غير مضار وصية » بالإضافة ، كما تقول : شجاع حرب ، ومدره حرب ، وبضة المتجرد ، في قول طرفة بن العبد{[3886]} ، والمعنى على ما ذكرناه من التجوز في اللفظ لصحة المعنى ، وقال ابن عباس : الضرار في الوصية من الكبائر ، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :< من ضارَّ في وصية ألقاه الله تعالى في وادٍ في جهنم{[3887]} . >

قال القاضي أبو محمد : ووجوه المضارَّة كثيرة لا تنحصر ، وكلها ممنوعة : يقر بحق ليس عليه ، ويوصي بأكثر من ثلثه ، أو لوارثه ، أو بالثلث فراراً عن وارث محتاج ، وغير ذلك ، ومشهور مذهب مالك وابن القاسم أن الموصي لا يعد فعله مضارَّة ما دام في الثلث ، فإن ضارّ الورثة في ثلثه مضى ذلك ، وفي المذهب قوله : إن المضارة ترد وإن كانت في الثلث ، إذا علمت بإقرار أو قرينة ويؤيد هذا قوله تعالى : { فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم }{[3888]} . . . الآية


[3882]:- العول: ارتفاع أو انخفاض نسبة الفريضة.
[3883]:- يريد أن أبا المرء أغضب له عند ظلمه، أما موالي القرابة كالأعمام وسائر الأقارب فهم أقل غضبا من الأب.
[3884]:- المحتسب 1/182.
[3885]:- يريد عيسى بن عمر الثقفي.
[3886]:- يشير إلى قوله في المعلقة: رحيب قطاب الجيب منها رفيقة بجس الندامى بضة المتجرد.
[3887]:- انظر الترمذي (باب الوصايا:2).
[3888]:- من الآية (182) من سورة البقرة.