وهناك رحمته التي يرجوها من يؤذون في سبيله ؛ لا ييئس منها مؤمن عامر القلب بالإيمان :
( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ، والله غفور رحيم ) . .
ورجاء المؤمن في رحمة الله لا يخيبه الله أبدا . . ولقد سمع أولئك النفر المخلص من المؤمنين المهاجرين هذا الوعد الحق ، فجاهدوا وصبروا ، حتى حقق الله لهم وعده بالنصر أو الشهادة . وكلاهما خير . وكلاهما رحمة . وفازوا بمغفرة الله ورحمته : ( والله غفور رحيم ) . .
قال ابن إسحاق : فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن ، طَمعُوا في الأجر ، فقالوا : يا رسول الله ، أنطمع أن تكون لنا غزوة نُعطَى فيها أجر المجاهدين [ المهاجرين ]{[3780]} ؟ فأنزل الله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء .
قال ابن إسحاق : والحديث في هذا عن الزهري ، ويزيد بن رُومان ، عن عروة .
وقد روى يونس بن بُكَيْر ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قريبًا من هذا السياق . وروى موسى بن عقبة عن الزهري نفسه ، نحو ذلك .
وروى شعيب بن أبي حَمزة ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير نحوا من هذا أيضًا ، وفيه : فكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين ، فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقالوا : أيحلّ القتالُ في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ [ قِتَالٍ فِيهِ ]{[3781]} } الآية . وقد استقصى ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب " دلائل النبوة " .
ثم قال ابن هشام عن زياد ، عن ابن إسحاق : وقد ذكر عن بعض آل عبد الله [ بن جحش ]{[3782]} أن الله قسم الفيء حين أحلَّه ، فجعل أربعة أخماس لمن أفاءه ، وخمسًا إلى الله ورسوله . فوقع على ما كان عبد الله بن جحش صنع في تلك العير{[3783]} .
قال ابن هشام : وهي أول غنيمة غنمها المسلمون . وعمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون ، وعثمان بن عبد الله ، والحكم بن كَيْسان أول من أسر المسلمون{[3784]} .
قال ابن إسحاق : فقال أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، في غزوة عبد الله بن جحش ، ويقال : بل عبد الله بن جحش قالها ، حين قالت قريش : قد أحلّ محمد وأصحابه الشهر الحرام ، فسفكوا فيه
الدم ، وأخذوا فيه المال ، وأسروا فيه الرجال . قال ابن هشام : هي لعبد الله بن جحش :
تَعُدّون قَتْلا في الحرام عظيمةً *** وأعظم منه لو يَرى الرشد راشد
صدودُكمُ عما يقول محمد *** وكفر به والله راءٍ وشاهدُ
وإخراجُكمْ من مسجد الله أهلَه *** لئلا يُرَى لله في البيت ساجدُ
فإنَّا وإن عَيَّرْتمونا بقتله *** وأرجف بالإسلام باغٍ وحاسدُ
سَقَيَنْا من ابن الحضرميّ رماحَنَا *** بنخلةَ لمَّا أوقَدَ الحربَ واقدُ
دما وابنُ عبد الله عثمانُ بيننا *** ينازعه غُلٌّ من القدّ عاندُ
{ إن الذين آمنوا } نزلت أيضا في أصحاب السرية لما ظن بهم أنهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجر . { والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله } كرر الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد كأنهما مستقلان في تحقيق الرجاء { أولئك يرجون رحمة الله } ثوابه ، أثبت لهم الرجاء إشعارا بأن العمل غير موجب ولا قاطع في الدلالة سيما والعبرة بالخواتيم . { والله غفور } لما فعلوا خطأ وقلة احتياط . { رحيم } بإجزال الأجر والثواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.