النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (218)

قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ } الآية . وسبب نزولها أن قوماً من المسلمين قالوا في عبد الله بن جحش ومن معه : إن لم يكونوا أصابوا في سفرهم وزْراً فليس فيه أجر ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } يعني بالله ورسوله ، { وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ } يعني عن مساكنة المشركين في أمصارهم ، وبذلك سمي المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين لهجرهم دورهم ومنازلهم كراهة الذل من المشركين وسلطانهم ، { وَجَاهَدُواْ } يعني قاتلوا ، وأصل المجاهدة المفاعلة من قولهم جهد كذا إذا أكدّه وشق عليه ، فإن كان الفعل من اثنين كل واحد منهما يكابد من صاحبه شدة ومشقة قيل فلان يجاهد فلاناً .

وأما { فِي سَبِيلِ اللهِ } فطريق الله ، وطريقه : دينه .

فإن قيل : فكيف قال : { أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ } ورحمة الله للمؤمنين مستحقة ؟ ففيه جوابان :

أحدهما : أنهم لما لم يعلموا حالهم في المستقبل جاز أن يرجوا الرحمة خوفاً أن يحدث من مستقبل أمورهم مالا يستوجبونها [ معه ] .

والجواب الثاني : أنهم إنما رجوا الرحمة لأنهم لم يتيقنوها بتأدية كل ما أوجبه الله تعالى عليهم .