فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (218)

{ إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم } .

{ إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله } الهجرة معناها الانتقال من موضع إلى موضع وترك الأول لإيثار مكاني والهجر ضد الوصل ، والتهاجر التقاطع والمراد بها هنا الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ، والمجاهدة استخراج الجهد ، والجهاد والتجاهد بذل الوسع .

{ أولئك يرجون } أي يطمعون ، وإنما قال يرجون بعد تلك الأوصاف المادحة التي وصفهم بها لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ ، والرجاء الأمل يقال رجوت فلانا أرجوه رجاء وهو ضد اليأس .

وقد يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في وقوله تعالى { ما لكم لا ترجون لله وقارا } أي لا تخافون عظمة الله ، وهل إطلاقه عليه بطريق الحقيقة أو المجاز زعم قوم أنه حقيقة ويكون من الاشتراك اللفظي وزعم قوم أنه من الأضداد فهو اشتراك لفظي أيضا .

وقال ابن عطية : الرجاء أبدا معه خوف كما أن الخوف معه رجاء ، وزعم قوم أنه مجاز للتلازم الذي ذكرناه ، قال قتادة أثنى الله على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحسن الثناء في هذه الآية وهم خيار هذه الأمة ثم جعلهم أهل رجاء ومن رجا طلب ومن خاف هرب .

{ رحمة الله } أخبر أنهم على رجاء الرحمة وقد كتبت { رحمة } هنا بالتاء وهي في القرآن في سبعة مواضع { والله غفور } لذنوب عباده { رحيم } بهم بإجزال الأجر .