قولُه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ } : إنَّ واسمُها ، و " أولئك " مبتدأ ، و " يَرْجُون " خبرُه ، والجملةُ خبرُ " إنَّ " ، وهو أحسنُ من كونِ " أولئك " بدلاً من " الذين " و " يرجُون خبرٌ " إنَّ " . وجيء بهذه الأوصافِ الثلاثةِ مترتبةً على حَسَبِ الواقعِ ، إذ الإيمانُ أولُ ثم المهاجَرةُ ثم الجهادُ . وأَفْرَدَ الإِيمانَ بموصولٍ وحدَه لأنه أصلُ الهجرةِ والجهادِ ، وجَمَعَ الهجرةَ والجهادَ في موصولٍ واحدٍ لأنَّهما فَرْعانِ عنه ، وأتى بخبرِ " إنَّ " اسمَ إشارة لأنه متضمِّنٌ للأوصافِ السابقةِ . وتكريرُ الموصولِ بالنسبةِ إلى الصفاتِ لا الذواتِ ، فإنَّ الذوات متحدةٌ موصوفةٌ بالأوصافِ الثلاثةِ ، فهو من بابِ عَطْفِ بعضِ الصفاتِ على بعض والموصوفُ واحدُ . ولا تقولُ : إنَّ تكريرَ الموصولِ يَدُلُّ على تَغايرِ الذواتِ والموصوفةِ لأنَّ الواقعَ كان كذلك . وأتى ب " يَرْجُون " لِيَدُلَّ على التجدُّدِ وأنهم في كلِّ وقتٍ يُحْدِثُون رجاءً .
والمهاجَرةُ مُفاعَلَةٌ من الهَجْرِ ، وهي الانتقالُ من أرضِ إلى أرضٍ ، وأصلُ الهجرِ التركُ . والمجاهدةُ مفاعلةٌ من الجُهْدِ . وهو استخراجُ الوُسْع وبَذْلُ المجهود ، والإِجهادُ : بَذْلُ المجهودِ في طَلَبِ المقصودِ ، والرجاءُ : الطمعُ ، وقال الراغب : وهو ظَنُّ يقتضي حصولَ ما فيه مَسَرَّةٌ ، وقد يُطْلَقُ على الخوفِ ، وأنشد :
إذا لَسَعَتْه النحلُ لَم يَرْجُ لَسْعَها *** وخالَفَها في بَيْتِ نُوبٍ عَواسلِ
أي : لم يخف/ ، وقال تعالى : { لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } [ يونس : 7 ] أي : لا يَخافون ، وهل إطلاقُه عليه بطريقِ الحقيقةِ أو المجازِ ؟ فزعم قومٌ أنَّه حقيقةٌ ، ويكونُ من الاشتراك اللفظي ، وزعم قومٌ أنه من الأضدادِ ، فهو اشتراكٌ لفظي أيضاً . قال ابنُ عطية : " وليس هذا بجيدٍ " . يعني أن الرجاء والخوفَ ليسا بضدين إذ يمكنُ اجتماعُهما ، ولذلك قال الراغب : - بعد إنشادِه البيتَ المتقدم - " ووجْهُ [ ذلك ] أن الرجاءَ والخوفَ يتلازمان " ، وقال ابن عطية : " والرجاءُ أبداً معه خوفٌ ، كما أن الخوفَ معه رجاءٌ " . وزعم قومٌ أنه مجازٌ للتلازمِ الذي ذكرناه عن الراغب وابنِ عطية .
وأجاب الجاحظُ عن البيتِ بأنَّ معناه لَم يَرْجُ بُرْءَ لَسْعِها وزواله فالرجاءُ على بابه " . وأمَّا قولُه : { لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } أي لا يَرْجُون ثوابَ لقائِنا ، فالرجاءُ أيضاً على بابِه ، قاله ابنُ عطية . وقال الأصمعي : " إذا اقترن الرجاءُ بحرفِ النفي كان بمعنى الخوفِ كهذا البيتِ والآيةِ . وفيه نظرٌ إذ النفيُ لا يُغَيِّر مدلولاتِ الألفاظِ .
وكُتبت " رحمة " هنا بالتاءِ : إمَّا جرياً على لغةِ مَنْ يَقِفُ على تاءِ التأنيث بالتاءِ ، وإمَّا اعتباراً بحالِها في الوصلِ ، وهي في القرآن في سبعةِ مواضعَ كُتبت في الجميع تاءً ، هنا وفي الأعراف : { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ } [ الأعراف : 56 ] ، وفي هود : { رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ } [ هود : 73 ] ، وفي مريم : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } [ مريم : 2 ] ، وفي الروم : { فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ }
[ الروم : 50 ] ، وفي الزخرف : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ . . . وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ } [ الزخرف : 32 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.