معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

قوله تعالى : { ربكم أعلم بما في نفوسكم } ، من بر الوالدين وعقوقهما ، { إن تكونوا صالحين } ، أبراراً مطيعين بعد تقصير كما كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين وغير ذلك ، { فإنه كان للأوابين } بعد المعصية { غفوراً } . قال سعيد بن جبير في هذه الآية : هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير فإنه لا يؤاخذ به . قال سعيد بن المسيب : الأواب الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب . قال سعيد بن جبير : الرجاع إلى الخير . وعن ابن عباس قال : هو الرجاع إلى الله فيما يحزبه وينوبه . وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس : هم المسبحون ، دليله قوله : { يا جبال أوبي معه } [ سبأ – 10 ] قال قتادة : هم المصلون . قال عوف بن عقيل : هم الذين يصلون صلاة الضحى .

أخبرنا أبو الحسن طاهر بن الحسين الدورقي الطوسي ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن يعقوب ، أنبأنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف ، حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع عن هشام صاحب الدستوائي ، عن قتادة ، عن القاسم بن عوف ، عن زيد بن أرقم قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون صلاة الضحى ، فقال : " صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى " . وقال محمد بن المنكدر : الأواب ) : الذي يصلي بين المغرب والعشاء . وروي عن ابن عباس أنه قال : إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء ، وهي صلاة الأوابين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

22

ولأن الانفعالات والحركات موصولة بالعقيدة في السياق ، فإنه يعقب على ذلك برجع الأمر كله لله الذي يعلم النوايا ، ويعلم ما وراء الأقوال والأفعال :

( ربكم أعلم بما في نفوسكم ، إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا ) .

وجاء هذا النص قبل أن يمضي في بقية التكاليف والواجبات والآداب ليرجع إليه كل قول وكل فعل ؛ وليفتح باب التوبة والرحمة لمن يخطيء أو يقصر ، ثم يرجع فيتوب من الخطأ والتقصير

وما دام القلب صالحا ، فإن باب المغفرة مفتوح . والأوابون هم الذين كلما أخطأوا عادوا إلى ربهم مستغفرين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

قال سعيد بن جبير : هو الرجل تكون{[17416]} منه البادرة إلى أبويه ، وفي نيته وقلبه أنه لا يؤخذ به - وفي رواية : لا يريد إلا الخير بذلك - فقال : { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ }

وقوله [ تعالى ]{[17417]} : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال قتادة : للمطيعين أهل الصلاة .

وعن ابن عباس : المسبحين . وفي رواية عنه : المطيعين المحسنين .

وقال بعضهم : هم الذين يصلون بين العشاءين . وقال بعضهم : هم الذين يصلون الضحى{[17418]} .

وقال شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب في قوله : { [ فَإِنَّهُ ]{[17419]} كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : الذي يصيب الذنب ثم يتوب ، ويصيب الذنب ثم يتوب .

وكذا رواه عبد الرزاق ، عن الثوري ومعمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب نحوه ، وكذا رواه الليث وابن جريج ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن ]{[17420]} المسيب ، به وكذا قال عطاء بن يسار .

وقال مجاهد ، وسعيد بن جبير : هم الراجعون إلى الخير .

وقال مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : هو الذي إذا ذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها . ووافقه على ذلك مجاهد{[17421]} .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير ، في قوله : { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا } قال : كنا نعد الأواب الحفيظ ، أن يقول : اللهم اغفر لي ما أصبت{[17422]} في مجلسي هذا{[17423]} .

وقال ابن جرير : والأولى في ذلك قول من قال : هو التائب من الذنب ، الراجع عن المعصية إلى الطاعة ، مما يكره الله إلى ما يحبه ويرضاه{[17424]} .

وهذا الذي قاله هو الصواب ؛ لأن الأواب مشتق من الأوب وهو الرجوع ، يقال : آب فلان إذا رجع ، قال الله تعالى : { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } [ الغاشية : 25 ] ، وفي الحديث الصحيح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من سفر قال{[17425]} : آيبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون " {[17426]} .


[17416]:في ت، ف: "يكون".
[17417]:زيادة من ت.
[17418]:في ت: "الصبح".
[17419]:في ت، ف: "إنه" وهو خطأ.
[17420]:زيادة من ف.
[17421]:في ف: "ووافقه مجاهد في ذلك".
[17422]:في ت: "ما أحببت".
[17423]:تفسير عبد الرزاق (1/320).
[17424]:تفسير الطبري (15/52).
[17425]:في ف، أ: "يقول".
[17426]:رواه البخاري في صحيحه برقم (1797) من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

القول في تأويل قوله تعالى { رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنّهُ كَانَ لِلأوّابِينَ غَفُوراً } .

يقول تعالى ذكره رَبّكُمْ أيها الناس أعْلَمُ منكم بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم وتكرمتهم ، والبرّ بهم ، وما فيها من اعتقاد الاستخفاف بحقوقهم ، والعقوق لهم ، وغير ذلك من ضمائر صدوركم ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، وهو مجازيكم على حَسَن ذلك وسيّئه ، فاحذروا أن تُضمروا لهم سوءا ، وتعقِدوا لهم عقوقا . وقوله إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ يقول : إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم ، وأطعتم الله فيما أمركم به من البرّ بهم ، والقيام بحقوقهم عليكم ، بعد هفوة كانت منكم ، أو زلة في واجب لهم عليكم مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه ، فإنه كان للأوّابين بعد الزّلة ، والتائبين بعد الهَفْوة غفورا لهم . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي وعمي عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير رَبّكُمْ أعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ قال : البادرة تكون من الرجل إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير ، فقال : ربّكُمْ أعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ .

حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرني أبي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، بمثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو ، عن حبيب بن أبي ثابت ، في قوله فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه وفي نيته وقلبه أنه لا يؤاخَذ به .

واختلف أهل التأويل ، في تأويل قوله : فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا فقال بعضهم : هم المسبّحون . ذكر من قال ذلك :

حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة وحدثني ابن سنان القزاز ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فإنّهُ كانَ للأوّابِينَ غَفُورا قال : المسبحين .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا أبو خيثمة زهير ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمرو بن شرحبيل ، قال : الأوّاب : المسبح .

وقال آخرون : هم المطيعون المحسنون . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا يقول : للمطيعين المحسنين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : هم المطيعون ، وأهل الصلاة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فإنه كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : للمطيعين المصلين .

وقال آخرون : بل هم الذين يصلون بين المغرب والعشاء . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن أبي صخر حميد بن زياد ، عن ابن المنكدر يرفعه فإنّهُ كان للأَوّابِينَ غَفُورا قال : الصلاة بين المغرب والعشاء .

وقال آخرون : هم الذين يصلّون الضّحَى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا رباح أبو سليمان الرقاء ، قال : سمعت عونا العُقيليّ يقول في هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : الذين يصلون صلاة الضحى .

وقال آخرون : بل هو الراجع من ذنبه ، التائب منه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن الوليد القرشيّ ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أنه قال في هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : الذي يصيب الذنب ثم يتوب ثم يصيب الذنب ثم يتوب .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سليمان بن داود ، عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : هو الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب في هذا الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا .

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، أنه سمع سعيد بن المسيب يُسْأَل عن هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : هو الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، بنحوه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن سعيد بن المسيب ، بنحوه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : هو العبد يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : فذكر مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزّاق ، قال : أخبرنا الثّوريّ ومعمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، قال : الأوّاب : الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِينَ غَفُورا قال : الراجعين إلى الخير .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد وأبو داود وهشام ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، بنحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، جميعا عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير فإنّهُ كان للأوّابِين غَفُورا قال : الذي يذكر ذنوبه في الخلاء ، فيستغفر الله منها .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الأوّاب : الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، أنه قال في هذه الاَية إنّهُ كان للأوّابِينَ غَفُورا قال : الذي يذكر ذنبه ثم يتوب .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله جلّ ثناؤه للأوّابِين غَفُورا قال : الأوّابون : الراجعون التائبون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

قال ابن جريج ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب : الرجل يذنب ثم يتوب ثلاثا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، قوله فإنّه كان للأوّابِين غَفُورا قال : الذي يتذكر ذنوبه ، فيستغفر الله لها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، عن عطاء بن يسار ، أنه قال في قوله فإنّهُ كان للأوّابِين غَفُورا يذنب العبد ثم يتوب ، فيتوب الله عليه ثم يذنب فيتوب ، فيتوب الله عليه ثم يذنب الثالثة ، فإن تاب ، تاب الله عليه توبة لا تُمْحَى .

وقد رُوي عن عبيد بن عمير ، غير القول الذي ذكرنا عن مجاهد ، وهو ما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير ، في قوله فإنّهُ كان للأوّابِين غَفُورا قال : كنا نَعُدّ الأوّاب : الحفيظ ، أن يقول : اللهمّ اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : الأوّاب : هو التائب من الذنب ، الراجع من معصية الله إلى طاعته ، ومما يكرهه إلى ما يرضاه ، لأن الأوّاب إنما هو فعّال ، من قول القائل : آب فلان من كذا إما من سفره إلى منزله ، أو من حال إلى حال ، كما قال عبَيد بن الأبرص :

وكُلّ ذِي غَيْبَةٍ يَئُوبُ *** وغائِبُ المَوْتِ لا يَئُوبُ

فهو يئوب أوبا ، وهو رجل آئب من سفره ، وأوّاب من ذنوبه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

{ ربكم أعلم بما في نفوسكم } من قصد البر أليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير ، وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا . { إن تكونوا صالحين } قاصدين للصلاح . { فإنه كان للأوّابين } للتوابين . { غفورا } ما فطر منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير ، وفيه تشديد عظيم ، ويجوز أن يكون عاما لكل تائب ، ويندرج فيه الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

وقوله { ربكم أعلم بما في نفوسكم } أي من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما أو من غير ذلك ، ويجعلون ظاهر برهما رياء ، ثم وعد في آخر الآية بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة إلى طاعة الله ، واختلفت عبارة الناس في { الأوابين } ، فقالت فرقة هم المصلحون ، وقال ابن عباس : هم المسبحون ، وقال أيضاً : هم المطيعون المحسنون ، وقال ابن المنكدر{[7530]} : هم الذين يصلون العشاء والمغرب ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في ذلك الوقت فقال : «تلك صلاة الأوابين »{[7531]} ، وقيل غير هذا من المستغفرين ونحوه ، وقال عون العقيلي{[7532]} : هم الذين يصلون صلاة الضحى ، وحقيقة اللفظة أنه من آب يؤوب إذا رجع ، وهؤلاء كلهم لهم رجوع أبداً إلى طاعة الله تعالى ، ولكنها لفظة لزم عرفها أهل الصلاح ، قال ابن المسيب هو العبد يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ، وفسر الجمهور { الأوابين } بالرجاعين إلى الخير ، وقال ابن جبير : أراد بقوله غفوراً للأوابين الزلة والفلتة تكون من الرجل إلى أحد أبويه ، وهو لم يصر عليها بقلبه ولا علمها الله من نفسه ، وقالت فرقة «خفض الجناح » هو ألا يمتنع من شيء يريدانه .


[7530]:هو محمد بن عبد الله بن الهدير – بالتصغير- التيمي، المدني، ثقة حافظ، مات سنة ثلاثين أو بعدها. (تقريب التهذيب).
[7531]:الحديث أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، عن ابن المنكدر، وقال عنه: إنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن في صحيح مسلم، وفي مسند أحمد عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، قال النووي في شرح صحيح مسلم: "هو بفتح التاء والميم، يقال: رمض يرمض كعلم يعلم، والرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس، والمعنى: حين تحترق أخفاف الفصال، وهي الصغار من أولاد الإبل، جمع فصيل".
[7532]:هو عون بن أبي شداد العقيلي، وقيل: العبدي، أبو معمر البصري، مقبول، من الخامسة. (تقريب التهذيب).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

تذييل لآية الأمر بالإحسان بالوالدين وما فصل به ، وما يقتضيه الأمر من اختلاف أحوال المأمورين بهذا الأمر قبل وروده بين موافق لمقتضاه ومفرط فيه ، ومن اختلاف أحوالهم بعد وروده من محافظ على الامتثال ، ومقصر عن قصد أو عن بادرة غفلة .

ولما كان ما ذكر في تضاعيف ذلك وما يقتضيه يعتمد خلوص النية ليجري العمل على ذلك الخلوص كاملاً لا تكلف فيه ولا تكاسل ، فلذلك ذيله بأنه المطلع على النفوس والنوايا ، فوعد الولد بالمغفرة له إن هو أدى ما أمره الله به لوالديه وافياً كاملاً . وهو مما يشمله الصلاح في قوله : { إن تكونوا صالحين } أي ممتثلين لما أمرتم به . وغير أسلوب الضمير فعاد إلى ضمير جمع المخاطبين لأن هذا يشترك فيه الناس كلهم فضمير الجمع أنسب به .

ولما شمل الصلاح الصلاح الكامل والصلاح المشوب بالتقصير ذيله بوصف الأوابين المفيد بعمومه معنى الرجوع إلى الله ، أي الرجوع إلى أمره وما يرضيه ، ففهم من الكلام معنى احتباك بطريق المقابلة . والتقدير إن تكونوا صالحين أوابين إلى الله فإنه كان للصالحين محسناً وللأوابين غفوراً . وهذا يعم المخاطبين وغيرهم ، وبهذا العموم كان تذييلاً .

وهذا الأوْب يكون مطرداً ، ويكون معرضاً للتقصير والتفريط ، فيقتضي طلب الإقلاع عما يخرمه بالرجوع إلى الحالة المرضية ، وكل ذلك أوْب وصاحبه آيِب ، فصيغ له مثال المبالغة ( أواب ) لصلوحية المبالغة لقوة كيفية الوصف وقوة كميته . فالملازم للامتثال في سائر الأحوال المراقب لنفسه أواب لشدة محافظته على الأوبة إلى الله ، والمغلوب بالتفريط يؤوب كلما راجع نفسه وذكر ربه ، فهو أواب لكثرة رجوعه إلى أمر ربه ، وكل من الصالحين .

وفي قوله : { ربكم أعلم بما في نفوسكم } ما يشمل جميع أحوال النفوس وخاصة حالة التفريط وبوادر المخالفة . وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه .

وقد جمعت هذه الآية مع إيجازها تيسيراً بعد تعسير مشوباً بتضييق وتحذير ليكون المسلم على نفسه رقيباً .