الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّـٰبِينَ غَفُورٗا} (25)

وفسَّر الجمهوُرُ { الأوَّابين } [ الإسراء : 25 ] بالرَّجَّاعين إلى الخير ، وهي لفظة لزم عُرْفُها أهْلَ الصلاح .

( ت ) : قال عَبْدُ الحقِّ الإشَبِيليُّ : واعَلَمْ أنَّ الميت كالحيِّ فيما يُعْطَاه ويُهْدى إِليه ، بل الميت أكثر وأكثر لأن الحي قد يستقلُّ ما يُهْدَى إِليه ، ويستحقرُ ما يُتْحَفُ به ، والميت لا يستحقر شيئاً من ذلك ، ولو كان مقدارَ جناحِ بعوضةٍ ، أو وزْنَ مثقالِ ذرةٍ ، لأنه يعلم قيمته ، وقد كان يقدر عليه ، فضيَّعه ، وقد قال عليه السلام :

( إِذَا مَاتَ الإِنسانُ انقطع عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاِتٍ : إِلاَّ مِنْ صَدَقَةَ جَارِيَةٍ ، أَوْ علْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) فهذا دعاءُ الولدِ يصلُ إِلى والده ، وينتفعُ به ، وكذلك أمره عليه السلام بالسَّلاَمِ على أهْلِ القُبُورِ والدعاءِ لهمْ ما ذاك إِلا لكونِ ذلك الدعاءِ لهُمْ والسلام عليهمْ ، يصلُ إليهم ويأتيهم ، والله أعلم .

وروي عنه عليه السلام أنه قال : ( الميِّتُ في قَبْرِهِ كالغَرِيقِ يَنْتَظرُ دَعْوَةً تَلْحَقُهُ من ابْنِهِ أَو أَخِيهِ أو صَدِيقِهِ ، فَإِذَا لَحِقَتْهُ ، كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدَّنْيا وَمَا فِيهَا ) والأخبارُ في هذا الباب كثيرةٌ انتهى من «العاقبة » .

( ت ) : وروى مالك في «الموطأ » عن يحيى بن سعيدٍ ، عن سعيد بن المسيَّب ، أنه قال : كان يقال : إِن الرجُلَ ليُرْفَعُ بدعاءِ ولده من بعده وأشارَ بيَدِهِ نحو السماء .

قال أبو عمرو : وقد رُوِّينَاه بإسناده جيِّدٍ ، ثم أسند عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ العَبْدَ الدَّرَجَةَ ، فَيقُولُ : أَيْ رَبِّ ، أنَّى لي هَذِهِ الدَّرَجَةُ ؟ فَيقالُ : باسْتِغْفَارَ وَلَدِكَ لَكَ ) انتهى من «التمهيد » .

وروِّينا في «سنن أبي داود » أنَّ رجُلاً مِنْ بني سَلَمَةَ قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ( هَلْ بَقيَ مِنْ برِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ ، أَبُّرُهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ قَالَ : نَعَمْ الصَّلاَةُ عَلَيْهما ، والاسْتِغْفَارُ لَهُما وإِنْفَاذُ عَهْدِهِما مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَصَلَةُ الرَّحِمِ التي لاَ تُوَصَلُ إِلاَّ بِهمَا ، وإِكْرَامُ صَدِيِقِهَما ) انتهى .