معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

{ وإما نرينك } يا محمد ، { بعض الذي نعدهم } في حياتك من العذاب ، { أو نتوفينك } ، قيل تعذيبهم ، { فإلينا مرجعهم } في الآخرة ، { ثم الله شهيد على ما يفعلون } ، فيجزيهم به { ثم } بمعنى الواو ، تقديره : والله شهيد . قال مجاهد : فكان البعض الذي أراه فتلهم ببدر ، وسائر أنواع العذاب بعد موتهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

26

ومن هذا المشهد الخاطف ليوم الحشر ، وما سبقه من أيام الحياة في الأرض إلى حديث مع الرسول - [ ص ] - في شأن وعيد الله للمكذبين ؛ ذلك الوعيد الغامض ، لا يدرون إن كان سيعاجلهم غداً ، أم إنهم سينظرون إلى يوم الدين ، ليبقى مصلتاً فوق رؤوسهم لعلهم يتقون ويهتدون . . وشيئاً فشيئاً تنتهي الجولة التي بدأت بالحديث عن الوعيد إلى نهايتها يوم لا ينفع الفداء ولو كان ما في الأرض كله ، ويوم يقضي الله بالقسط لا يظلم أحداً . . وذلك على طريقة القرآن في وصل الدنيا بالآخرة ، في كلمات ولحظات ، في تصوير حي يلمس القلوب ، ويصور في الوقت ذاته حقيقة الاتصال بين الدارين والحياتين كما هما في الواقع ، وكما ينبغي أن يكونا في التصور الإسلامي الصحيح :

( وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ، ثم الله شهيد على ما يفعلون . ولكل أمة رسول ، فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون . ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? قل : لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله ، لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون . قل أرأيتم : إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون . أثم إذا ما وقع آمنتم به ? آلآن وقد كنتم به تستعجلون ? ثم قيل للذين ظلموا : ذوقوا عذاب الخلد ، هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون . ويستنبئونك أحق هو ? قل : إي وربي إنه لحق ، وما أنتم بمعجزين . ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به ، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ، وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) .

تبدأ هذه الجولة بتقرير أن مرجع القوم إلى الله ، سواء وقع بعض الوعيد الذي كلف الرسول [ ص ] أن يبلغه لهم ، في حياته أو بعد وفاته . فالمرجع إلى الله في الحالين . وهو شهيد على ما يفعلون في حضور الرسول بالحياة ، وفي غيبته بالوفاة . فلن يضيع شيء من أعمالهم ولن تعفيهم وفاة الرسول [ ص ] مما يوعدون .

( وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ، ثم الله شهيد على ما يفعلون ) فالأمور مدبرة سائرة حسب التدبير ، لا يخرم منها حرف ، ولا يتغير بالطوارئ والظروف .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

يقول تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ } أي : ننتقم{[14254]} منهم في حياتك لتقرّ عينُك منهم ، { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } أي : مصيرهم ومتقَلَّبهم ، والله شهيد على أفعالهم بعدك .

وقد قال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا داود بن الجارود ، عن أبي الطفيل{[14255]} عن حذيفة بن أسيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عُرضت عليّ أمتي البارحة لدى هذه الحجرة ، أولها وآخرها . فقال رجل : يا رسول الله ، عرض عليك من خُلِق ، فكيف من لم يخلق ؟ فقال : " صُوِّروا لي في الطين ، حتى إني لأعْرَفُ بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه " . {[14256]}

ورواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن عقبة بن مكرم ، عن يونس بن بُكَيْر ، عن زياد بن المنذر ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد ، به نحوه . {[14257]}


[14254]:- في ت : "ينتقم".
[14255]:- في جميع النسخ : "أبي السليل" والتصويب من المعجم الكبير للطبراني.
[14256]:- المعجم الكبير (3/181).
[14257]:- المعجم الكبير (3/181) وقال الهيثمي في المجمع (10/69) : "وفيه زياد بن المنذر وهو كذاب".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِمّا نُرِيَنّكَ بَعْضَ الّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفّيَنّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَىَ مَا يَفْعَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وإما نرينك يا محمد في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من قومك من العذاب ، أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك فيهم . فإلَيْنا مَرْجِعُهُمْ يقول : فمصيرهم بكلّ حال إلينا ومنقلبهم . ثُمّ اللّهُ شَهِيدٌ على ما يَفْعَلُونَ يقول جلّ ثناؤه ثم أنا شاهد على أفعالهم التي كانوا يفعلونها في الدنيا ، وأنا عالم بها لا يخفى عليّ شيء منها ، وأنا مجازيهم بها عند مصيرهم إليّ ومرجعهم جزاءهم الذي يستحقونه . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وإمّا نُرِيَنّكَ بَعْضَ الّذِي نَعِدُهُمْ من العذاب في حياتك ، أوْ نَتَوَفَيّنّكَ قبل ، فإلَيْنا مَرْجِعُهُم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .