فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

{ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } هذا تسجيل من الله سبحانه عليهم بالخسران والتعجيب منه ولذا أتى بحرف التحقيق والمراد باللقاء يوم القيامة عند الحساب والجزاء أي من باع آخرته الباقية بدنياه الفانية قد خسر لأنه آثر الفاني على الباقي ، والجملة مستأنفة أو في محل نصب بإضمار قول أي قائلين قد خسر { وما كانوا مهتدين } نفى عنهم أن يكونوا من جنس المهتدين لجهلهم وعدم طلبهم لما ينجيهم وينفعهم ويصلحهم .

{ وإما نرينك بعض الذي نعدهم } أصله أن نرك وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط ولأجله زيدت نون التأكيد خلافا لسيبويه والمعنى أن حصلت منا الأراءة لك بعض الذي وعدناهم من أظهار دينك في حياتك بقتلهم وأسرهم وجواب الشرط محذوف والتقرير فتراه أو فذاك .

وجملة { أو نتوفينك } معطوفة على ما قبلها ، المعنى أو لا نرينك ذلك في حياتك بل نتوفينك قبل ذلك ، { فإلينا مرجعهم } فعند ذلك نعذبهم في الآخرة فنريك عذابهم فيها ، وجواب أو نتوفينك محذوف أيضا والتقدير أو نتوفينك قبل الآراء فنحن نريك ذلك في الآخرة وقيل إنه جواب للشرط وما عطف عليه إذ معناه صالح لذلك وإلى هذا ذهب العوفي وابن عطية .

وقيل إن جواب أو نتوفينك هو قوله فإلينا مرجعهم لدلالته على ما هو المراد من آراءة النبي صلى الله عليه وسلم تعذيبهم في الآخرة وقيل العدول في الموضعين إلى صيغة المستقبل لاستحضار الصورة ، والأصل أريناك أو توفيناك وفيه نظر فإن أراءة صلى الله عليه وسلم ببعض ما وعد المشركين من العذاب لم تكن قد وقعت كالوفاة .

وحاصل معنى هذه الآية : إن لم ننتقم منهم عاجلا انتقمنا منهم آجلا ، وقد أراد الله قتلهم وأسرهم وذلهم وذهاب عزهم وانكسار سورة كبرهم بما أصابهم به في يوم بدر وما بعده من المواطن فلله الحمد .

{ ثم الله شهيد على ما يفعلون } من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب وجاء بثم الدالة على التبعيد مع كون الله سبحانه شهيدا على ما يفعلونه في الدارين للدلالة على أن المراد بهذه الأفعال ما يترتب عليها من الجزاء أو ما يحصل من أنطاق الجوارح بالشهادة عليهم يوم القيامة فجعل ذلك بمنزلة شهادة الله عليهم كما ذكره النيسابوري .

وفي السمين { ثم } هنا ليست للترتيب الزماني هي لترتيب الأخبار لا لترتيب القصص في نفسها كقولك زيد عالم ثم هو كريم .

قال الزمخشري : ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب ، كأنه قيل ثم الله معاقب على ما يفعلون وفيه وعيد لهم وتهديد شديد .