البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

إما هي أنْ الشرطية زيد عليها ما قال ابن عطية ، ولأجلها جاز دخول النون الثقيلة .

ولو كانت أن وحدها لم يجز انتهى .

يعني أنّ دخول النون للتأكيد إنما يكون مع زيادة ما بعد إن ، وهذا الذي ذكره مخالف لظاهر كلام سيبويه .

قال ابن خروف : أجاز سيبويه الإتيان بما ، وأن لا يؤتى بها ، والإتيان بالنون مع ما وإن لا يؤتى بها ، والإراءة هنا بصرية ، ولذلك تعدى الفعل إلى اثنين ، والكاف خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم .

وبعض الذي نعدهم يعني : من العذاب في الدنيا .

وقد أراه الله تعالى أنواعاً من عذاب الكفار في الدنيا قتلاً وأسراً ونهباً للأموال وسبياً للذراري ، وضرب جزية ، وتشتيت شمل بالجلاء إلى غير بلادهم ، وما يحصل لهم في الآخرة أعظم ، لأنه العذاب الدائم الذي لا ينقطع .

والظاهر أنّ جواب الشرط هو قوله : فإلينا مرجعهم ، وكذا قاله الحوفي وابن عطية .

قال ابن عطية : ومعنى هذه الآية الوعيد بالرجوع إلى الله تبارك وتعالى أي : إن أريناك عقوبتهم أو لم نركها فهم على كل حال راجعون إلينا إلى الحساب والعذاب ، ثم مع ذلك الله شهيد من أول تكليفهم على جميع أعمالهم .

فثم هاهنا لترتيب الأخبار ، لا لترتيب القصص في أنفسها .

وقال الزمخشري : فإلينا مرجعهم جواب نتوفينك ، وجواب نرينك محذوف ، كأنه قيل : وإما نرينك بعض الذي نعدهم فذاك ، أو نتوفينك قبل أن نريكه ، فنحن نريك في الآخرة انتهى .

فجعل الزمخشري الكلام شرطين لهما جوابان ، ولا حاجة إلى تقدير جواب محذوف ، لأن قوله : فإلينا مرجعهم صالح أنْ يكون جواباً للشرط والمعطوف عليه .

وأيضاً فقول الزمخشري : فذاك هو اسم مفرد لا ينعقد منه جواب شرط ، فكان ينبغي أن يأتي بجملة يتضح منها جواب الشرط ، إذ لا يفهم من قوله فذاك الجزء الذي حذف المتحصل به فائدة الإسناد .

وقرأ ابن أبي عبلة : ثم الله بفتح الثاء أي : هنالك .

ومعنى شهادة الله على ما يفعلون مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب ، كأنه قال : ثم الله معاقبهم ، وإلا فهو تعالى شهيد على أفعالهم في الدنيا والآخرة .

ويجوز أن يكون المعنى أنه تعالى مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حتى تنطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم شاهدة عليهم .