قوله تعالى : { وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم } ، اختلفوا في الذين قالوا هذا ، قيل : كانوا من الفرقة الهالكة ، وذلك أنهم لم قيل لهم : انتهوا عن هذا العمل السيئ قبل أن ينزل بكم العذاب ، فإنا نعلم أن الله منزل بكم بأسه إن لم تنتهوا ، أجابوا وقالوا : { لم تعظون قوماً الله مهلكهم }
قوله تعالى : { أو } علمتم أنه .
قوله تعالى : { معذبهم عذاباً شديداً قالوا } أي : قال الناهون .
قوله تعالى : { معذرةً } أي : موعظتنا معذرة .
قوله تعالى : { إلى ربكم } ، قرأ حفص : ( معذرة ) بالنصب ، أي نفعل ذلك معذرة إلى ربكم ، والأصح أنها من قول الفرقة الساكنة للناهية ، قالوا : { لم تعظون قوماً الله مهلكهم } ، قالوا : { معذرة إلى ربكم } ، ومعناه : أن الأمر بالمعروف واجب علينا ، فعلينا موعظة هؤلاء عذراً إلى الله .
قوله تعالى : { ولعلهم يتقون } ، أي : يتقون الله ، ويتركون المعصية ، ولو كان الخطاب مع المعتدين لكان يقول : { ولعلكم تتقون } .
بينما مضى فريق ثالث يقول للآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر : ما فائدة ما تزاولونه مع هؤلاء العصاة ، وهم لا يرجعون عما هم آخذون فيه ؟ وقد كتب الله عليهم الهلاك والعذاب ؟
( وإذ قالت أمة منهم : لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً ؟ ) .
فلم تعد هناك جدوى من الوعظ لهم ، ولم تعد هناك جدوى لتحذيرهم . بعدما كتب الله عليهم الهلاك أو العذاب الشديد ؛ بما اقترفوه من انتهاك لحرمات الله .
( قالوا : معذرة إلى ربكم ، ولعلهم يتقون ) . .
فهو واجب لله نؤديه : واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتخويف من انتهاك الحرمات ، لنبلغإلى الله عذرنا ، ويعلم أن قد أدينا واجبنا . ثم لعل النصح يؤثر في تلك القلوب العاصية فيثير فيها وجدان التقوى .
وهكذا انقسم سكان الحاضرة إلى ثلاث فرق . . أو ثلاث أمم . . فالأمة في التعريف الإسلامي هي مجموعة الناس التي تدين بعقيدة واحدة وتصور واحد وتدين لقيادة واحدة ، وليست كما هي في المفهوم الجاهلي القديم أو الحديث ، مجموعة الناس التي تسكن في إقليم واحد من الأرض وتحكمها دولة واحدة ! فهذا مفهوم لا يعرفه الإسلام ، إنما هي من مصطلحات الجاهلية القديمة أو الحديثة !
وقد انقسم سكان القرية الواحدة إلى ثلاث أمم : أمة عاصية محتالة . وأمة تقف في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية بالإنكار والتوجيه والنصيحة . وأمة تدع المنكر وأهله ، وتقف موقف الإنكار السلبي ولا تدفعه بعمل إيجابي . . وهي طرائق متعددة من التصور والحركة ، تجعل الفرق الثلاث أمماً ثلاثاً !
يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق : فرقة{[12281]} ارتكبت المحذور ، واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت ، كما تقدم بيانه في سورة البقرة . وفرقة نهت عن ذلك ، [ وأنكرت ]{[12282]} واعتزلتهم . وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ، ولكنها قالت للمنكرة : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } ؟ أي : لم تنهون هؤلاء ، وقد علمتم أنهم هلكوا واستحقوا العقوبة من الله ؟ فلا فائدة في نهيكم إياهم . قالت لهم المنكرة : { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ } قرأ بعضهم بالرفع ، كأنه على تقديره : هذا معذرة وقرأ آخرون بالنصب ، أي : نفعل ذلك { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ } أي : فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يقولون : ولعل بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ، ويرجعون إلى الله تائبين ، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.