فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ قَالَتۡ أُمَّةٞ مِّنۡهُمۡ لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ قَالُواْ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (164)

{ وإذ قالت أمة منهم } أي جماعة من صلحاء أهل القرية لآخرين ممن كان يجتهد في وعظ المتعدين في السبت حين أيسوا من قبولهم للموعظة وإقلاعهم عن المعصية { لم تعظون قوما الله مهلكهم } أي مستأصل لهم بالعقوبة { أو معذبهم عذابا شديدا } بما انتهكوا من الحرمة وفعلوا من المعصية ، وقيل إن الجماعة القائلة لم تعظون قوما هم العصاة الفاعلون للصيد في يوم السبت ، قالوا ذلك للواعظين لهم حين وعظوهم ، والمعنى إذا علمتم أن الله مهلكنا كما تزعمون فلم تعظوننا .

{ قالوا } أي قال الواعظون للجماعة القائلين لهم لم تعظون وهم طائفة من صلحاء القرية على الوجه الأول أو الفاعلون على الثاني أي فعلنا ذلك { معذرة } أي لأجل المعذرة أو موعظتنا معذرة على قراءة الرفع { إلى ربكم } حتى لا يؤاخذنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين أوجبهما علينا ولرجاء أن يتعظوا فيتقوا ، ويقلعوا عما هم فيه من المعصية .

قال جمهور المفسرين إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق : فرقة عصت وصادت ، وكانت نحو سبعين ألفا ، وفرقة اعتزلت فلم تنه ولم تعص ، وفرقة اعتزلت ونهت ولم تعص ، فقالت الطائفة التي لم تنه ولم تعص للفرقة الناهية لم تعظون [ قوما ] يريدون الفرقة العاصية [ الله مهلكهم ] أو معذبهم ، قالوا ذلك على غلبة الظن لما جرت به عادة الله من إهلاك العصاة أو تعذيبهم من دون استئصال بالهلاك فقالت الناهية موعظتنا معذرة إلى الله { ولعلهم يتقون } ولو كانوا فرقتين فقط ناهية غير عاصية وعاصية لقال لعلكم تتقون .