فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ قَالَتۡ أُمَّةٞ مِّنۡهُمۡ لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ قَالُواْ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (164)

{ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ } معطوف على إذ يعدون معمول لعامله ، داخل في حكمه . والأمة الجماعة : أي قالت جماعة من صلحاء أهل القرية لآخرين ممن كان يجتهد في وعظ المتعدّين في السبت حين أيسوا من قبولهم للموعظة ، وإقلاعهم عن المعصية { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مُهْلِكُهُمْ } أي : مستأمل لهم بالعقوبة { أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا } بما انتهكوا من الحرمة ، وفعلوا من المعصية ، وقيل : إن الجماعة القائلة لم تعظون قوماً ؟ هم العصاة الفاعلون للصيد في يوم السبت ، قالوا ذلك للواعظين لهم حين وعظوهم . والمعنى : إذا علمتم أن الله مهلكنا كما تزعمون فلم تعظوننا { قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبّكُمْ } أي : قال الواعظون للجماعة القائلين لهم لم تعظون ، وهم طائفة من صلحاء القرية على الوجه الأوّل ، أو الفاعلين على الوجه الثاني { مَعْذِرَةً إلى رَبّكُمْ } قرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف { مَعْذِرَةً } بالنصب ، وهي قراءة حفص عن عاصم ، وقرأ الباقون بالرفع . قال الكسائي : ونصبه على وجهين : أحدهما على المصدر ، والثاني على تقدير فعلنا ذلك معذرة ، أي لأجل المعذرة . والرفع على تقدير مبتدأ : أي موعظتنا معذرة إلى الله ، حتى لا يؤاخذنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، اللذين أوجبهما علينا ، ولرجاء أن يتعظوا فيتقوا ويقلعوا عما هم فيه من المعصية .

قال جمهور المفسرين : إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق : فرقة عصت وصادت وكانت نحو سبعين ألفاً ، وفرقة اعتزلت فلم تنه ولم تعص ، وفرقة اعتزلت ونهت ولم تعص ، فقالت الطائفة التي لم تنه ولم تعص للفرقة الناهية { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا } يريدون الفرقة العاصية { الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ } قالوا ذلك على غلبة الظنّ لما جرت به عادة الله من إهلاك العصاة أو تعذيبهم ، من دون استئصال بالهلاك ، فقالت الناهية : موعظتنا معذرة إلى الله ولعلهم يتقون . ولو كانوا فرقتين فقط ناهية غير عاصية ، وعاصية لقال : لعلكم تتقون .

/خ166