الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِذۡ قَالَتۡ أُمَّةٞ مِّنۡهُمۡ لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ قَالُواْ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (164)

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كانت قرية على ساحل البحر يقال لها أيلة ، وكان على ساحل البحر صنمان من حجارة مستقبلان الماء ، يقال لأحدهما لقيم والآخر لقمانة ، فأوحى الله إلى السمك ، أن حج يوم السبت إلى الصنمين ، وأوحى إلى أهل القرية : أني قد أمرت السمك أن يحجوا إلى الصنمين يوم السبت فلا تعرضوا للسمك يوم لا يمتنع منكم ، فإذا ذهب السبت فشأنكم به فصيدوه ، فكان إذا طلع الفجر يوم السبت أقبل السمك شرعاً إلى الصنمين لا يمتنع من آخذ يأخذه ، فظهر يوم السبت شيء من السمك في القرية فقالوا : نأخذه يوم السبت فنأكله يوم الأحد ، فلما كان يوم السبت الآخر ظهر أكثر من ذلك ، فلما كان السبت الآخر ظهر السمك في القرية ، فقام إليهم قوم منهم فوعظوهم فقالوا : اتقوا الله . فقام آخرون فقالوا { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } فلما كان سبت من تلك الأسبات فشى السمك في القرية ، فقال الذين نهوا عن السوء فقالوا : لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية . فقيل لهم : لو أصبحتم فانقلبتم بذراريكم ونسائكم . قالوا : لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية ، فإن أصبحنا غدونا فأخرجنا ذرارينا وأمتعتنا من بين ظهرانيكم وكان القوم شاتين ، فلما أمسوا أغلقوا أبوابهم فلما أصبحوا لم يسمع القوم لهم صوتاً ولم يروا سرجاً خرج من القرية . . . ! قالوا : قد أصاب أهل القرية شر . . . ! فبعثوا رجلاً منهم ينظر إليهم ، فلما أتى القرية إذا الأبواب مغلقة عليهم ، فاطلع في دار فإذا هم قرود كلهم ، المرأة أنثى والرجل ذكر ، ثم اطلع في دار أخرى فإذا هم كذلك الصغير صغير والكبير كبير ، ورجع إلى القوم فقال : يا قوم نزل بأهل القرية ما كنتم تحذرون ، أصبحوا قردة كلهم لا يستطيعون أن يفتحوا الأبواب ، فدخلوا عليه فإذا هم قردة كلهم ، فجعل الرجل يومئ إلى القرد منهم أنت فلان ، فيومئ برأسه : نعم . وهم يبكون فقالوا : أبعدكم الله قد حذرناكم هذا ، ففتحوا لهم الأبواب فخرجوا فلحقوا بالبرية .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : نجا الناهون وهلك الفاعلون ، ولا أدري ما صنع بالساكتين .

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : والله لئن أكون علمت أن القوم الذين قالوا { لم تعظون قوماً } نجوا مع الذين نهوا عن السوء أحب إلى ما عدل به . وفي لفظ : من حمر النعم . ولكني أخاف أن تكون العقوبة نزلت بهم جميعاً .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : قال ابن عباس : ما أدري أنجا الذين قالوا لم تعظون قوماً أم لا ؟ قال : فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا فكساني حلة .

وأخرج عبد بن حميد عن ليث بن أبي سليم قال : مسخوا حجارة الذين قالوا { لم تعظون قوماً الله مهلكهم } .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { واسألهم عن القرية . . . } الآية . قال : كان حوتاً حرمه الله عليهم في يوم وأحله لهم فيما سوى ذلك ، فكان يأتيهم في اليوم الذي حرَّمه الله عليهم كأنه المخاض ما يمتنع من أحد ، فجعلوا يهمون ويمسكون وقلما رأيت أحداً أكثر الاهتمام بالذنب إلا واقعه ، فجعلوا يهمون ويمسكون حتى أخذوه فأكلوا بها والله أوخم أكلة أكلها قوم قط أبقاه خزياً في الدنيا وأشده عقوبة في الآخرة ، وأيم الله للمؤمن من أعظم حرمة عند الله من حوت ، ولكن الله عز وجل جعل موعد قوم الساعة والساعة أدهى وأمر .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال : أخذ موسى عليه السلام رجلاً يحمل حطباً يوم السبت ، وكان موسى يسبت فصلبه .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : احتطب رجل في السبت ، وكان داود عليه السلام يسبت فصلبه .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش قال : كان حفظي عن عاصم « بعذاب بئيس » على معنى فعيل ، ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش « بعذاب بئيس » على معنى فعيل .