معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (218)

قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا } . فارقوا عشائرهم ومنازلهم وأموالهم .

قوله تعالى : { وجاهدوا } . المشركين .

قوله تعالى : { في سبيل الله } . طاعة لله ، فجعلها جهاداً .

قوله تعالى : { أولئك يرجون رحمة الله } . أخبر أنهم على رجاء الرحمة .

قوله تعالى : { والله غفور رحيم } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (218)

215

وهناك رحمته التي يرجوها من يؤذون في سبيله ؛ لا ييئس منها مؤمن عامر القلب بالإيمان :

( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ، والله غفور رحيم ) . .

ورجاء المؤمن في رحمة الله لا يخيبه الله أبدا . . ولقد سمع أولئك النفر المخلص من المؤمنين المهاجرين هذا الوعد الحق ، فجاهدوا وصبروا ، حتى حقق الله لهم وعده بالنصر أو الشهادة . وكلاهما خير . وكلاهما رحمة . وفازوا بمغفرة الله ورحمته : ( والله غفور رحيم ) . .

وهو هو طريق المؤمنين . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (218)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلََئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ }

يعني بذلك جل ذكره : إن الذين صدّقوا بالله وبرسوله ، وبما جاء به . وبقوله : وَالّذِينَ هاجَرُوا : الذين هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم ، ومجاورتهم في ديارهم ، فتحوّلوا عنهم ، وعن جوارهم وبلادهم إلى غيرها ، هجرة . . . لما انتقل عنه إلى ما انتقل إليه . وأصل المهاجرة المفاعلة ، من هجرة الرجل الرجل للشحناء تكون بينهما ، ثم تستعمل في كل من هجر شيئا لأمر كرهه منه .

وإنما سمي المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين لما وصفنا من هجرتهم دورهم ومنازلهم ، كراهة منهم النزول بين أظهر المشركين وفي سلطانهم ، بحيث لا يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم إلى الموضع الذي يأمنون ذلك .

وأما قوله : وَجاهَدُوا فإنه يعني : وقاتلوا وحاربوا وأصل المجاهدة المفاعلة ، من قول الرجل : قد جهد فلان فلانا على كذا ، إذا كربه وشقّ عليه يجهده جهدا . فإذا كان الفعل من اثنين كل واحد منهما يكابد من صاحبه شدة ومشقة ، قيل : فلان يجاهد فلانا ، يعني أن كل واحد منهما يفعل بصاحبه ما يجهده ويشقّ عليه ، فهو يجاهده مجاهدة وجهادا . وأما سبيل الله : فطريقه ودينه .

فمعنى قوله إذا : وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجاهَدُوا في سَبِيلِ اللّهِ والذين تحوّلوا من سلطان أهل الشرك هجرة لهم ، وخوف فتنتهم على أديانهم ، وحاربوهم في دين الله ليدخلوهم فيه ، وفيما يرضى الله ، أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحَمةَ اللّهِ أي يطمعون أن يرحمهم الله فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم ، واللّهُ غَفُورٌ أي ساتر ذنوب عباده بعفوه عنها ، متفضل عليهم بالرحمة .

وهذه الآية أيضا ذكر أنها نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه أنه حدّثه رجل ، عن أبي السوار يحدثه ، عن جندب بن عبد الله قال : لما كان من أمر عبد الله بن جحش وأصحابه ، وأمر ابن الحضرمي ما كان قال بعض المسلمين إن لم يكونوا أصابوا في سفرهم ، أظنه قال : وزرا ، فليس لهم فيه أجر ، فأنزل الله : إنّ الّذِينَ آمَنُوا والّذِينَ هَاجَرُوا وَجاهَدُوا في سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني الزهري ، ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قال : أنزل الله عز وجل القرآن بما أنزل من الأمر ، وفرج الله عن المسلمين في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه ، يعني في قتلهم ابن الحضرمي ، فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن ، طمعوا في الأجر ، فقالوا : يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم : إنّ الّذِينَ آمَنُوا والّذِينَ هَاجَرُوا وَجاهَدُوا في سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فوقفهم الله من ذلك على أعظم الرجاء .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : أثنى الله على أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أحسن الثناء ، فقال : إنّ الّذِينَ آمَنُوا والّذِينَ هَاجَرُوا وَجاهَدُوا في سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ هؤلاء خيار هذه الأمة ، ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون ، وأنه من رجا طلب ، ومن خاف هرب .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (218)

قال الفخر : في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان ، أحدهما : أن عبد الله بن جحش قال : يا رسول الله هب أنه لا عقاب علينا فيما فعلنا ، فهل نطمع منه أجراً أو ثواباً ؟ فنزلت هذه الآية ؛ لأن عبد الله كان مؤمناً ومهاجراً وكان بسبب هذه المقاتلة مجاهداً ( يعني فتحققت فيه الأوصاف الثلاثة ) . الثاني : أنه تعالى لما أوجب الجهاد بقوله : { كتب عليكم القتال } [ البقرة : 216 ] أَتبع ذلك بذكر من يقول به اهـ ، والذي يظهر لي أن تعقيب ما قبلها بها من باب تعقيب الإنذار بالبشارة وتنزيه للمؤمنين من احتمال ارتدادهم فإن المهاجرين لم يرتد منهم أحد . وهذه الجملة معترضة بين آيات التشريع .

و ( الذين هاجروا ) هم الذين خرجوا من مكة إلى المدينة فراراً بدينهم ، مشتق من الهَجْر وهو الفراق ، وإنما اشتق منه وزن المفاعلة للدلالة على أنه هجر نشأ عن عداوة من الجانبين فكل من المنتقِل والمنتقَل عنه قد هجر الآخر وطلب بُعده ، أو المفاعلة للمبالغة كقولهم : عافاك الله فيدل على أنه هجر قوماً هَجراً شديداً ، قال عبدة بن الطيب :

إنَّ التي ضَرَبَتْ بيتاً مُهاجَرَةً *** بكوفةِ الجند غَالت وُدَّها غول

والمجاهدة مفاعلة مشتقة من الجَهْد وهو المشقة وهي القتال لما فيه من بذل الجهد كالمفاعلة للمبالغة ، وقيل : لأنه يضم جُهده إلى جُهد آخر في نصر الدين مثل المساعدة وهي ضم الرجل ساعده إلى ساعد آخر للإعانة والقوة ، فالمفاعلة بمعنى الضم والتكرير ، وقيل : لأن المجاهِد يبذل جهده في قتال من يبذل جهده كذلك لقتاله فهي مفاعلة حقيقية .

و ( في ) للتعليل .

و ( سبيل الله ) ما يوصل إلى رضاه وإقامةِ دينه ، والجهاد والمجاهدة من المصطلحات القرآنية الإسلامية .

وكرر الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد كأنهما مستقلان في تحقيق الرجاء . وجيء باسم الإشارة للدلالة على أن رجاءهم رحمةَ الله لأجل إيمانهم وهجرتهم وجهادهم ، فتأكد بذلك ما يدل عليه الموصول من الإيماء إلى وجه بناءِ الخبر ، وإنما احتيج لتأكيده لأن الصلتين لما كانتا مما اشتهر بهما المسلمون وطائفة منهم صارتا كاللقب ؛ إذ يطلق على المسلمين يومئذٍ في لسان الشرع اسم الذين آمنوا كما يطلق على مسلمي قريش يومئذٍ اسم المهاجرين فأكد قَصدُ الدلالة على وجه بناء الخبر من الموصول .

والرجاء : ترقب الخير مع تغليب ظن حصوله ، فإن وعد الله وإن كان لا يخلف فضلاً منه وصدقاً ، ولكن الخواتم مجهولة ومصادفة العمل لمراد الله قد تفوت لموانع لا يدريها المكلف ولئلا يتكلوا في الاعتماد على العمل .