معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

قوله تعالى : { ولو دخلت عليهم } أي : لو دخلت عليهم المدينة هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم ، وهم الأحزاب ، { من أقطارها } جوانبها ونواحيها جمع قطر ، { ثم سئلوا الفتنة } أي : الشرك ، { لأتوها } لأعطوها ، وقرأ أهل الحجاز لأتوها مقصوراً ، أي : لجاؤوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام ، { وما تلبثوا بها } أي : ما احتسبوا عن الفتنة ، { إلا يسيراً } ولأسرعوا الإجابة إلى الشرك طيبةً به أنفسهم ، هذا قول أكثر المفسرين . وقال الحسن والفراء : وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلاً حتى يهلكوا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

9

ويقف السياق عند هذه اللقطة الفنية المصورة لموقف البلبلة والفزع والمراوغة . يقف ليرسم صورة نفسية لهؤلاء المنافقين والذين في قلوبهم مرض . صورة نفسية داخلية لوهن العقيدة ، وخور القلب ، والاستعداد للانسلاخ من الصف بمجرد مصادفة غير مبقين على شيء ، ولا متجملين لشيء :

( ولو دخلت عليهم من أقطارها ، ثم سئلوا الفتنة لآتوها ، وما تلبثوا بها إلا يسيرا ) . .

ذلك كان شأنهم والأعداء بعد خارج المدينة ؛ ولم تقتحم عليهم بعد . ومهما يكن الكرب والفزع ، فالخطر المتوقع غير الخطر الواقع ، فاما لو وقع واقتحمت عليهم المدينة من أطرافها . . ( ثم سئلوا الفتنة )وطلبت إليهم الردة عن دينهم( لآتوها )سراعا غير متلبثين ، ولا مترددين( إلا قليلا )من الوقت ، أو إلا قليلا منهم يتلبثون شيئا ما قبل أن يستجيبوا ويستسلموا ويرتدوا كفارا ! فهي عقيدة واهنة لا تثبت ؛ وهو جبن غامر لا يملكون معه مقاومة !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

وقوله : وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارِها يقول : ولو دخلت المدينة على هؤلاء القائلين إنّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ من أقطارها ، يعني : من جوانبها ونواحيها ، واحدها : قطر ، وفيها لغة أخرى : قُتر ، وأقتار ومنه قول الراجز :

إنْ شِئْتَ أنْ تدهن أو تمرا *** فَوَلّهِنّ قُتْرَكَ الأشَرّا

وقوله : ثُمّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ يقول : ثم سئلوا الرجوع من الإيمان إلى الشرك لاَتَوْها يقول : لفعلوا ورجعوا عن الإسلام وأشركوا . وقوله : وَما تَلَبّثُوا بها إلاّ يَسِيرا يقول : وما احتبسوا عن إجابتهم إلى الشرك إلاّ يسيرا قليلاً ، ولأسرعوا إلى ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارها أي لو دخل عليهم من نواحي المدينة ثُمّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ : أي الشرك لاَتَوْها يقول : لأعطوها ، وَما تَلَبّثُوا بِها إلاّ يَسِيرا يقول : إلاّ أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتبسونه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارِها يقول : لو دخلت المدينة عليهم من نواحيها ثُمّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لاَتَوْها سئلوا أن يكفروا لكفروا قال : وهؤلاء المنافقون لو دخلت عليهم الجيوش ، والذين يريدون قتالهم ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا قال : والفتنة : الكفر ، وهي التي يقول الله الفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْلِ أي الكفر يقول : يحملهم الخوف منهم ، وخبث الفتنة التي هم عليها من النفاق على أن يكفروا به .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : لاَتَوْها فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض قرّاء مكة : «لاَءَتَوْها » بقصر الألف ، بمعنى جاءوها . وقرأه بعض المكيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة : لاَتَوْها بمدّ الألف ، بمعنى : لأعطوها ، لقوله : ثم سئلوا الفتنة وقالوا : إذا كان سؤال كان إعطاء ، والمدّ أعجب القراءتين إليّ لما ذكرت ، وإن كانت الأخرى جائزة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

فأخبر الله تعالى عن بيوتهم أنها ليست كما ذكروه وأن قصدهم الفرار ، وأن ما أظهروه من أنهم يريدون حماية بيوتهم وخاصة نفوسهم ليس كذلك ، وأنهم إنما يكرهون نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويريدون حربه وأن يغلب { ولو دخلت } المدينة { من أقطارها } واشتد الخوف الحقيقي ، { ثم سئلوا الفتنة } والحرب لمحمد وأصحابه لطاروا إليها وأتوها محبين فيها { ولم يتلبثوا } في بيوتهم لحفظها { إلا يسيراً } ، قيل قدر ما يأخذون سلاحهم ، وقرأ الحسن البصري ثم «سولوا الفتنة » بغير همز وهي من سال يسال كخاف يخاف لغة في سال العين فيها واو .

وحكى أبو زيد هما يتساولان ، وروي عن الحسن «سلوا الفتنة » ، وقرأ مجاهد «سوئلوا » بالمد{[9471]} ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر «لا توها » بمعنى فجاؤوها ، وقرأ عاصم وأبو عمرو «لآتوها » بمعنى لأعطوها من أنفسهم وهي قراءة حمزة والكسائي فكأنها رد على السؤال ومشبهة له ، قال الشعبي : وقرأها النبي عليه السلام بالمد{[9472]} .


[9471]:علل أبو الفتح ابن جني قراءة الحسن البصري[سولو] بتعليلات أكثرها فيه الصنعة. راجع المحتسب(2-177) وما بعدها.
[9472]:اختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة المد، قالا: وفي الحديث ان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعذبون في الله ويسألون الشرك، فكل أعطى ما سألوه إلا بلالا، ففيه دليل على قراءة المد، من الإعطاء. ويدل على قراءة القصر قوله تعالى:{ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار} فهنا يدل على[لأتوها] مقصورا. وقد أشار ابن عطية إلى أن قراءة المد فيها معنى الإعطاء. ونسبة قراءة المد لعاصم هي رواية أبي بكر عنه، أما رواية حفص فهي بالقصر كما هو ثابت في المصحف.