اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

قوله : { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا } ولو دخل عليهم المدينة أو البيوت يعني هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم وهم الأحزاب «مِنْ أقْطَارِهَا » جوانبها . وفيه لغة وتروى : أَقْتَار - بالتاء{[43234]} - . والقُطْرُ : الجانب أيضاً ومنه قَطَرْتُهُ أي أَلْقَيْتُهُ على قطره فَتَقَطَّرَ أي وقع عليه قال :

4076 - قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى وَجَاراتُها *** مَا قَطَّرَ الفَارِسَ إِلاَّ أَنَا{[43235]}

وفي المثل : «الانفِضَاضُ يُقَطِّرُ الجَلَب »{[43236]} تفسيره أن القوم إذا انفضوا أي فني زادهم احتاجوا إلى جَلْب الإِبل ، وسمي القَطْرُ{[43237]} قطراً لسقوطه .

قوله : «ثُمَّ سُئِلُوا » قرأ مجاهد «سُويِلُوا » بواو ساكنة ثم ياء مكسورة «كقُوتِلُوا »{[43238]} . حكى أبو زيد : هما يَتَسَاوَلاَن بالواو{[43239]} ، والحسن : سُولُوا{[43240]} بواو ساكنة فقط فاحتملت وجهين :

أحدهما : أن يكون أصلها : سيلوا كالعامة ، ثم خففت الكسرة فسكنت كقولهم في ضَرب - بالكسر - ضرب بالسكون فسكنت الهمزة بعد ضمة فقلبت واواً نحو : بُوسٍ في بُؤْسٍ .

والثاني : أن يكون من لغة الواو{[43241]} ، ونقل عن أبي عمرو أنه قرأ سِيلُوا بياء ساكنة بعد كسرة نحو : قِيلوا{[43242]} .

قوله : «لأتَوْهَا » قرأ نافعٌ وابنُ كثير بالقصر بمعنى لَجَاؤُوهَا وغَشوهَا{[43243]} ، والباقون بالمد بمعنى لأعطوها ومفعوله الثاني محذوف تقديره : لآتوها السائلين . والمعنى ولو دخلت البيوت أو المدينة من جميع نواحيها ثم سئل أهلها الفتنة لم يمتنعوا من إعطائها ، وقراءة المد يستلزم قراءة القصر من غير عكس بهذا المعنى الخاص{[43244]} .

قوله : «إِلاَّ يَسيراً » أي إلا تَلَبُّثاً أو إلا زماناً يسيراً{[43245]} . وكذلك قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 16 - 18 ] أي إلا تَمَتُّعاً أو إلا زماناً قليلاً .

فصل :

دلت الآية على أن ذلك الفرار والرجوع ليس لحفظ البيوت لأن من يفعل فعلاً لغرض فإذا فاته الغرض لا يفعله فقال تعالى هم قالوا بأن رجوعنا عنك لحفظ بيوتنا ولو دخلها الأحزاب وأخذوها منهم لرجعوا أيضاً فليس رجوعهم عنك إلا بسبب كفرهم وحبهم الفتنة وهي الشرك ، { وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا } أي ما تلبثوا بالمدينة أو البيوت «إلاَّ يَسِيراً » وأن المؤمنين يُخْرِجُونَهُمْ قاله الحسن{[43246]} ، وقيل : ما تلبثوا أي{[43247]} ما احْتَبَسُوا عن الفتنة - وهي الشرك - إلا يسيراً ولأسرعوا للإجابة إلى الشرك طيّبةً به أنفُسُهم وهذا قول أكثر المفسِّرين .


[43234]:انظر الإبدال لابن السِّكِّيت باب الطاء والتاء 129، والأمالي لأبي علي القالي 2/156.
[43235]:البيت مختلف في نسبته فمن نسبه إلى عمرو بن معد يكربَ وهو من بحر السريع، ومن ناسب له لأبي بجيلة ومن ناسب له لبعض اللصوص. والمشهور الأول. وشاهده: "قطر" أي ما صرعه فألقاه وأوقعه إلا هو. وقد تقدم.
[43236]:ذكره في اللسان 3672 ومجمع الأمثال 3/381.
[43237]:وهو المطر.
[43238]:ذكرها ابن خالويه في المختصر 118 وفيه "سُوئِلُوا" بالهمزة.
[43239]:نقله عنه ابن جني في المحتسب 2/177 ولم أجده في النوادر.
[43240]:في المحتسب أنها: "سولوا" بضم السين قال: " ومن ذلك قراءة الحسن: "ثم سولوا الفتنة" مرفوعة السين، ولا يجعل فيها ياء ولا يمدها" انظر: 365/177 وانظر: شواذ القرآن للكرماني 193.
[43241]:الدر المصون 4/371.
[43242]:وجدت في مختصر ابن خالويه: أن هذه القراءة بضم السين وكسر الياء "سُيِلُوا" قال: "من غير همز عبد الوارث عن أبي عمرو والأعمش" المختصر ص 118 ومن المحتمل أن تكون قراءة أخرى وتنسب إلى أبي عمرو وينظر أيضاً شواذ القرآن 193.
[43243]:السبعة لابن مجاهد 520 والإتحاف للبناء 354 ومعاني القرآن للفراء 2/337.
[43244]:نقله السمين في الدر المصون 4/371.
[43245]:انظر: التبيان 1053 والدر المصون 4/371 ومشكل إعراب القرآن 2/195.
[43246]:وهو قول السدي أيضاً نقله في زاد المسير 6/362.
[43247]:وهو رأي قتادة. انظر: المرجع السابق.