الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

قوله : { مِّنْ أَقْطَارِهَا } : الأَقْطار جمع قُطْر بضمِّ القاف ، وهي الناحيةُ . وفيه لغةٌ : قُتْر وأَقْتار بالتاء . والقُطْر : الجانب أيضاً . ومنه قَطَرْتُه أي : أَلْقَيْتُه على قُطْرِه فَتَقَطَّر أي : وقع عليه . قال الشاعر :

قد عَلِمَتْ سَلْمى وجاراتُها *** ما قَطَّر الفارسَ إلاَّ أنا

وفي المَثَل " الانفضاض يقطر الحلب " تفسيرُه : أنَّ القومَ إذا انَفَضُّوا أي : فَني زادُهم احتاجوا إلى حَلْبِ الإِبلِ . وسُمِّي القَطْرا قَطْراً لسقوطِه .

قوله : " ثم سُئِلوا " قرأ مجاهد " سُوْيِلُوا " بواوٍ ساكنة ثم ياءٍ مكسورةٍ كقُوتلوا . حكى أبو زيد هما يَتَساوَلان بالواو . والحسنُ " سُوْلُوا " بواوٍ ساكنةٍ فقط ، فاحتملت وجهين ، [ أحدهما ] : أَنْ يكونَ أصلُها سُئِلوا كالعامَّةِ ثم خُفِّفَتِ الكسرةُ فسَكَنَتْ ، كقولِهم في " ضَرِب " بالكسر : ضَرْب بالسكون فَسَكَنت الهمزةُ بعد ضمة فقُلِبت واواً نحو : بُوْس في بُؤْس . والثاني : أن تكونَ مِنْ لغة الواو . ونُقل عن أبي عمرو أنه قرأ " سِيْلُوا " بياءٍ ساكنةٍ بعد كسرةٍ نحو : مِيْلُوا .

قوله : " لأَتَوْها " قرأ نافعٌ وابن كثيرِ بالقصر بمعنى لَجأْؤُوْها وغَشِيُوها . والباقون بالمدِّ بمعنى : لأَعْطَوْها . ومفعولُه الثاني محذوفٌ تقديره : لآتَوْها السَّائلين . والمعنى : ولو دَخَلْتَ البيوتَ أو المدينة مِنْ جميع نواحيها ، ثم سُئِل أهلُها الفتنةَ لم يمتنعوا من إعطائِها . وقراءةُ المَدِّ تَسْتَلْزِمُ قراءةَ القصرِ من غيرِ عكسٍ بهذا المعنى الخاص .

قوله : " إلاَّ يَسِيراً " أي : إلاَّ تَلَبُّثاً أو إلاَّ زماناً يسيراً . وكذلك قولُه :

{ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 16 ] أي : إلا تَمَتُّعاً أو إلاَّ زماناً قليلاً .