فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مّنْ أَقْطَارِهَا } يعني بيوتهم أو المدينة ، والأقطار : النواحي جمع قطر ، وهو الجانب والناحية ، والمعنى : لو دخلت عليهم بيوتهم أو المدينة من جوانبها جميعاً لا من بعضها ، ونزلت بهم هذه النازلة الشديدة ، واستبيحت ديارهم ، وهتكت حرمهم ومنازلهم { ثُمَّ سُئِلُواْ الفتنة } من جهة أخرى عند نزول هذه النازلة الشديدة بهم { لآتَوْهَا } أي لجاءوها أو أعطوها ، ومعنى الفتنة هنا : إما القتال في العصبية ، كما قال الضحاك ، أو الشرك بالله والرجعة إلى الكفر الذي يبطنونه ويظهرون خلافه ، كما قال الحسن . قرأ الجمهور { لآتوها } بالمدّ ، أي لأعطوها من أنفسهم ، وقرأ نافع وابن كثير بالقصر ، أي لجاءوها { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا إِلاَّ يَسِيراً } أي بالمدينة بعد أن أتوا الفتنة إلا تلبثاً يسيراً حتى يهلكوا ، كذا قال الحسن والسديّ والفراء والقتيبي . وقال أكثر المفسرين : إن المعنى : وما احتسبوا عن فتنة الشرك إلا قليلاً ، بل هم مسرعون إليها راغبون فيها ، لا يقفون عنها إلاّ مجرّد وقوع السؤال لهم ، ولا يتعللون عن الإجابة بأن بيوتهم في هذه الحالة عورة مع أنها قد صارت عورة على الحقيقة ، كما تعلّلوا عن إجابة الرسول والقتال معه بأنها عورة ، ولم تكن إذ ذاك عورة .

/خ17