فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا } يعني بيوتهم ، أو المدينة ، والأقطار النواحي ، جمع قطر وهو الجانب والناحية ، والمعنى لو دخلت عليهم بيوتهم أو المدينة من جوانبها جميعا لا من بعضها هذه العساكر المتحزبة ، ونزلت بهم هذه النازلة الشديدة ، واستبيحت ديارهم . وهتكت حرمهم ومنازلهم .

{ ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ } من جهة أخرى عند نزول هذه النازلة الشديدة بهم { لآتَوْهَا } أخرج البيهقي في الدلالة عن ابن عباس قال : جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة ، يعني إدخال بني حارثة أهل الشام{[1379]} على المدينة ، ومعنى الفتنة هنا إما القتال في العصبية كما قال الضحاك ، أو الشرك بالله ، أو الرجعة إلى الكفر الذي يبطنونه ويظهرون خلافه كما قال الحسن قرئ لآتوها بالمد أي لأعطوها من أنفسهم ، وبالقصر أي لجاؤوها وفعلوها ، وهما سبعيتان .

{ وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا } أي بالمدينة بعد أن أتوا الفتنة { إِلا } تلبثا { يَسِيرًا } حتى يهلكوا كذا قال الحسن والسدي والفراء والقتيبي ، وقال أكثر المفسرين : إن المعنى وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلا ، بل هم مسرعون إليها راغبون فيها لا يقفون عنها إلا مجرد وقوع السؤال لهم ، ولا يتعللون عن الإجابة بأن بيوتهم في هذه الحالة عورة مع أنها قد صارت عورة على الحقيقة ، كما تعللوا عن إجابة الرسول والقتال معه بأنها عورة ولم تكن إذ ذاك عورة ، ثم حكى الله سبحانه عنهم ما قد كان وقع منهم من قبل من المعاهدة لله ولرسوله بالثبات في الحر ، وعدم الفرار عنه فقال : { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولا ( 15 )


[1379]:عندما دخلت جيوش بني أمية الحجاز ودحرت جيوش عبد الله بن الزبير وقتلته في الكعبة صلبته وحرقته ومثلت به، وكان ذلك في يوم الثلاثاء لسبع خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين. المطيعي.