البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلۡفِتۡنَةَ لَأٓتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلَّا يَسِيرٗا} (14)

الأقطار : النواحي ، واحدها قطر ، ويقال : قتر بالتاء ، لغة فيه .

والضمير في : { دُخِلتْ } ، الظاهر عوده على البيوت ، إذ هو أقرب مذكور .

قيل : أو على المدينة ، أي ولو دخلها الأحزاب الذين يفرون خوفاً منها ؛ والثالث على أهاليهم وأولادهم .

{ ثم سئلوا الفتنة } : أي الردة والرجوع إلى إظهار الكفر ومقاتلة المسلمين .

{ لآتوها } : أي لجاءوا إليها وفعلوا على قراءة القصر ، وهي قراءة نافع وابن كثير .

وقرأ باقي السبعة : لآتوها بالمد ، أي لأعطوها .

{ وما تلبثوا بها } : وما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم { إلا يسيراً } ، فإن الله يهلكهم ويخرجهم بالمؤمنين .

قال ابن عطية : ولو دخلت المدينة من أقطارها ، واشتد الحرب الحقيقي ، ثم سئلوا الفتنة والحرب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، لطاروا إليها وأتوها مجيبين فيها ، ولم يتلبثوا في بيوتهم لحفظها إلا يسيراً ، قيل : قدر ما يأخذون سلاحهم . انتهى .

وقرأ الجمهور : سئلوا ، وقرأ الحسن : سولوا ، بواو ساكنة بعد السين المضمومة ، قالوا : وهي من سال يسال ، كخاف يخاف ، لغة من سأل المهموز العين .

وحكى أبو زيد : هما يتساولان . انتهى .

ويجوز أن يكون أصلها الهمز ، لأنه يجوز أن يكون سولوا على قول من يقول في ضرب ضرب ، ثم سهل الهمزة بإبدالها واواً على قول من قال في بؤس بوس ، بإبدال الهمزة واواً لضمة ما قبلها .

وقرأ عبد الوارث ، عن أبي عمرو والأعمش : سيلوا ، بكسر السين من غير همز ، نحو : قيل .

وقرأ مجاهد : سوئلوا ، بواو بعد السين المضمومة وياء مكسورة بدلاً من الهمزة .

وقال الضحاك : { ثم سئلوا الفتنة } : أي القتال في العصبية ، لأسرعوا إليه .

وقال الحسن : الفتنة ، الشرك ، والظاهر عود الضمير بها على الفتنة .

وقيل : يعود على المدينة .