قوله تعالى : { وكيف أخاف ما أشركتم } ، يعني الأصنام ، وهي لا تبصر ، ولا تسمع ، ولا تضر ولا تنفع .
قوله تعالى : { ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً } ، حجة وبرهاناً ، وهو القاهر القادر على كل شيء .
قوله تعالى : { فأي الفريقين أحق } ، أولى .
فهو يكل إلى مشيئة الله حمايته ورعايته ؛ ويعلن أنه لا يخاف من آلهتهم شيئا ، لأنه يركن إلى حماية الله ورعايته . ويعلم أنه لا يصيبه إلا ما شاءه الله ، ووسعه علمه الذي يسع كل شيء . .
( وكيف أخاف ما أشركتم ، ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ؟ فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ؟ ) .
إنه منطق المؤمن الواثق المدرك لحقائق هذا الوجود . إنه إن كان أحد قمينا بالخوف فليس هو إبراهيم - وليس هو المؤمن الذي يضع يده في يد الله ويمضي في الطريق - وكيف يخاف آلهة عاجزة - كائنة ما كانت هذه الآلهة ، والتي تتبدى أحيانا في صورة جبارين في الأرض بطاشين ؛ وهم أمام قدرة الله مهزولون مضعوفون ! - كيف يخاف إبراهيم هذه الآلهة الزائفة العاجزة ، ولا يخافون هم أنهم أشركوا بالله ما لم يجعل له سلطانا ولا قوة من الأشياء والأحياء ؟ وأي الفريقين أحق بالأمن ؟ الذي يؤمن به ويكفر بالشركاء ؟ أم الذي يشرك بالله ما لا سلطان له ولا قوة ؟ أي الفريقين أحق بالأمن ، لو كان لهم شيء من العلم والفهم ؟ !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالأمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . .
وهذا جواب إبراهيم لقومه حين خوّفوه من آلهتهم أن تمسه لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه ، فقال لهم : وكيف أخاف وأرهب ما أشركتموه في عبادتكم ربكم فعبدتموه من دونه وهو لا يضرّ ولا ينفع ولو كانت تنفع أو تضرّ لدفعت عن أنفسها كسرى إياها وضربى لها بالفأس ، وأنتم لا تخافون الله الذي خلقكم ورزقكم وهو القادر على نفعكم وضرّكم في إشراككم في عبادتكم إياه ما لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطانا يعني : ما لم يعطكم على إشراككم إياه في عبادته حجة ، ولم يضع لكم عليه برهانا ، ولم يجعل لكم به عذرا . فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأَمْنِ يقول : أنا أحقّ بالأمن من عاقبة عبادتي ربي مخلصا له العبادة حنيفا له ديني بريئا من عبادة الأوثان والأصنام ، أم أنتم الذين تعبدون من دون الله أصناما لم يجعل الله لكم بعبادتكم إياها برهانا ولا حجة ؟ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يقول : إن كنتم تعلمون صدق ما أقول وحقيقة ما أحتجّ به عليكم ، فقولوا وأخبروني أيّ الفريقين أحقّ بالأمن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، كان محمد بن إسحاق يقول فيما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سَلَمة ، قال : قال محمد بن إسحاق ، في قوله : وكَيْفَ أخافُ ما أشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أنّكُمْ أشْركْتُمْ باللّهِ يقول : كيف أخاف وثنا تعبدون من دون الله لا يضرّ ولا ينفع ، ولا تخافون أنتم الذي يضرّ وينفع ، وقد جعلتم معه شركاء لا تضرّ ولا تنفع . فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ : أي بالأمن من عذاب الله في الدنيا والاَخرة الذي يعبد ، الذي بيده الضرّ والنفع ؟ أم الذي يعبد ما لا يضرّ ولا ينفع ؟ يضرب لهم الأمثال ، ويصرّف لهم العبر ، ليعلموا أن الله هو أحقّ أن يُخاف ويعبد مما يعبدون من دونه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : أفلج الله إبراهيم عليه السلام حين خاصمهم ، فقال : وكَيْفَ أخافُ ما أشْرَكْتُمْ وَلا تَخافونَ أنّكمْ أشْرَكْتُمْ باللّهِ ما لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطانا فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . ثم قال : وَتِلْكَ حُجّتُنا آتَيْناها إبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة مالك قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قول إبراهيم حين سألهم : أيّ الفَرِيقَينِ أحَقّ بالأمْنِ هي حجة إبراهيم عليه السلام .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى عن إبراهيم حين سألهم : فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأمْنِ قال : وهي حجة إبراهيم عليه السلام .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أمن يعبد ربا واحدا ، أم من يعبد أربابا كثيرة ؟ يقول قومه : الذين آمنوا بربّ واحد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أمن خاف غير الله ولم يخفه ؟ أم من خاف الله ولم يخف غيره ؟ فقال الله تعالى : الّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ . . . الاَية .
هذه الآية إلى { تعلمون } هي كلها من قول إبراهيم عليه السلام لقومه ، وهي حجته القاطعة لهم ، المعنى : وكيف أخاف الأصنام التي لا خطب لها وهي حجارة وخشب إذا أنا نبذتها ولم أعظمها ، ولا تخافون أنتم الله عز وجل وقد أشركتم به في الربوبية أشياء لم ينزل بها عليكم حجة ، و «السلطان » : الحجة ، ثم استفهم على جهة التقرير { فأي الفريقين أحق بالأمن } أي من لم يشرك بالقادر العالم أحق أن يأمن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.