الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَكَيۡفَ أَخَافُ مَآ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗاۚ فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (81)

قوله تعالى : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } : قد تقدَّم الكلام على " كيف " في أول البقرة ، وهذه نظيرتها . و " ما " يجوز فيها ثلاثة الأوجه ، أعني كونها موصولةً اسميةً أو نكرة موصوفة أو مصدرية ، والعائد على الأوَّلين محذوف أي : ما أشركتموه بالله أو إشراككم بالله غيره .

وقوله : " ولا تخافون " يجوز في هذه الجملة أن تكون نسقاً على " أخاف " فتكون داخلةً في حَيِّز التعجب والإِنكار ، وأن تكون حالية أي : وكيف أخاف الذي تشركون حال كونكم أنتم غير خائفين عاقبة إشراككم ، / ولا بد من إضمارِ مبتدأ قبل المضارع المنفيِّ ب لا ، لِما تقدم غيرَ مرة أي : كيف أخاف الذي تُشْركون أو يُخاف إشراككم حال كونكم آمنين مِنْ مَكْرِ الله الذي أَشْركتم به غيره . وهذه الجملةُ وإن لم يكن فيها رابطٌ يعود على ذي الحال لا يضرُّ ذلك لأن الواو بنفسها رابطةٌ ، وانظر إلى حسن هذا النظم السويّ حيث جعل متعلق الخوف الواقع منه بالأصنام ، ومُتَعَلَّق الخوف الواقع منهم إشراكهم بالله غيرَه تَرْكاً لأن يعادَلَ الباري تعالى بأصنامهم ، لو أبرز التركيب على هذا فقال : " ولا تخافون الله " مقابلةً لقوله " وكيف أخاف معبودتكم " . وأتى ب " ما " في قوله " ما أشركتم " وفي قوله { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } لأنهم غير عقلاء ، إذ هي جمادٌ أحجارٌ ، وحيث كانوا ينحتونها ويعبدونها .

قوله : " ما لم يُنَزِّلْ " مفعول ل " أَشْرَكْتُم " وهي موصولة اسمية أو نكرة ، ولا تكون مصدرية لفساد المعنى ، و " به " و " عليكم " متعلقان ب " يُنَزِّل " ، ويجوز في " عليكم " وجهٌ آخر : وهو أن يكون حالاً من " سلطاناً " لأنه لو تأخَّر عنه لجاز أن يكونَ صفةً . وقرأ الجمهور " سُلْطاناً " ساكنَ اللام حيث وقع . وقرئ بضمها ، وقيل : هي لغة مستقلة فيثبت بها بناء " فُعُل " بضم الفاء والعين ، أو هي إتباع حركةٍ لأخرى .

وقوله : " فأيُّ الفريقين أحقُّ " لم يقل : أيُّنا أحقُّ نحن أم أنتم إلزاماً لخصمه بما يدَّعيه عليه ، ولأنه لا يزكِّي القائلُ نفسه ، وهذا بخلاف قول الآخر :

فلئِنْ لقيتُكَ خالِيَيْنِ لتعلمَنْ *** أيّي وأيُّك فارسُ الأحزابِ

فللَّهِ فصاحةُ القرآن وآدابه . وقوله : " إن كنتم " جوابه محذوف ، أي : فأخبروني ، ومُتَعَلَّقُ العلم محذوف ، ويجوز أَنْ لا يُرادَ له مفعولٌ أي : إن كنتم من ذوي العلم .