البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكَيۡفَ أَخَافُ مَآ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗاۚ فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (81)

{ وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون إنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً } استفهام معناه التعجب والإنكار كأنه تعجب من فساد عقولهم حيث خوفوه خشباً وحجارة لا تضر ولا تنفع ، وهم لا يخافون عقبى شركهم بالله وهو الذي بيده النفع والضر والأمر كله { ولا تخافون } معطوف على { أخاف } فهو داخل في التعجب والإنكار واختلف متعلق الخوف فبالنسبة إلى إبراهيم علق الخوف بالأصنام وبالنسبة إليهم علقه بإشراكهم بالله تعالى تركاً للمقابلة ، ولئلا يكون الله عديل أصنامهم لو كان التركيب ولا تخافون الله تعالى وأتى بلفظ { ما } الموضوعة لما لا يعقل لأن الأصنام لا تعقل إذ هي حجارة وخشب وكواكب ، والسلطان الحجة والإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة وكأنه لما أقام الدليل العقلي على بطلان الشركاء وربوبيتهم ، نفى أيضاً أن يكون على ذلك دليل سمعي فالمعنى أن ذلك ممتنع عقلاً وسمعاً فوجب اطراحه ، وقرىء { سلطاناً } بضم اللام والخلاف هل ذلك لغة فيثبت به بناء فعلان بضم الفاء والعين أو هو اتباع فلا يثبت به .

{ فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون } لما خوفوه في مكان الأمن ولم يخافوا في مكان الخوف أبرز الاستفهام في صورة الاحتمال وإن كان قد علم قطعاً أنه هو الآمن لا هم كما قال الشاعر :

فلئن لقيتك خاليين لتعلمن *** أني وايك فارس الأحزاب

أي أينا ومعلوم عنده أنه هو فارس الأحزاب لا المخاطب وأضاف أيا إلى الفريقين ، ويعني فريق المشركين وفريق الموحدين وعدل عن أينا أحق بالأمن أنا أم أنتم احترازاً من تجريد نفسه فيكون ذلك تزكية لها ، وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم من ذوي العلم والاستبصار فأخبروني أي هذين الفريقين أحق بالأمن .