معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

قوله تعالى : { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } يعني : المؤمنين والكفار . وقيل : العلماء والجهال . { إن الله يسمع من يشاء } حتى يتعظ ويجيب ، { وما أنت بمسمع من في القبور } يعني : الكفار ، شبههم بالأموات في القبور حين لم يجيبوا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

15

ولن يستوي عند الله الإيمان والكفر ، والخير والشر ، والهدى والضلال ؛ كما لا يستوي العمى والبصر ، والظلمة والنور ، والظل والحرور ، والحياة والموت ، وهي مختلفة الطبائع من الأساس :

وما يستوي الأعمى والبصير . ولا الظلمات ولا النور . ولا الظل ولا الحرور . وما يستوي الأحياء ولا الأموات . .

وبين طبيعة الكفر وطبيعة كل من العمى والظلمة والحرور والموت صلة . كما أن هناك صلة بين طبيعة الإيمان وطبيعة كل من النور والبصر والظل والحياة . .

إن الإيمان نور ، نور في القلب ونور في الجوارح ، ونور في الحواس . نور يكشف حقائق الأشياء والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطات ونسب وأبعاد . فالمؤمن ينظر بهذا النور ، نور الله ، فيرى تلك الحقائق ، ويتعامل معها ، ولا يخبط في طريقه ولا يلطش في خطواته !

والإيمان بصر ، يرى . رؤية حقيقية صادقة غير مهزوزة ولا مخلخلة . ويمضي بصاحبه في الطريق على نور وعلى ثقة وفي اطمئنان .

والإيمان ظل ظليل تستروحه النفس ويرتاح له القلب ، ظل من هاجرة الشك والقلق والحيرة في التيه المظلم بلا دليل !

والإيمان حياة . حياة في القلوب والمشاعر . حياة في القصد والاتجاه . كما أنه حركة بانية . مثمرة . قاصدة . لا خمود فيها ولا همود . ولا عبث فيها ولا ضياع .

والكفر عمى . عمى في طبيعة القلب . وعمى عن رؤية دلائل الحق . وعمى عن رؤية حقيقة الوجود . وحقيقة الإرتباطات فيه . وحقيقة القيم والأشخاص والأحداث والأشياء .

والكفر ظلمة أو ظلمات . فعندما يبعد الناس عن نور الإيمان يقعون في ظلمات من شتى الأنواع والأشكال . ظلمات تعز فيها الرؤية الصحيحة لشيء من الأشياء .

والكفر هاجرة . حرور . تلفح القلب فيه لوافح الحيرة والقلق وعدم الاستقرار على هدف ، وعدم الاطمئنان إلى نشأة أو مصير . ثم تنتهي إلى حر جهنم ولفحة العذاب هناك !

والكفر موت . موت في الضمير . وانقطاع عن مصدر الحياة الأصيل . وانفصال عن الطريق الواصل .

وعجز عن الانفعال والاستجابة الآخذين من النبع الحقيقي ، المؤثرين في سير الحياة !

ولكل طبيعته ولكل جزاؤه ، ولن يستوي عند الله هذا وذاك .

وهنا يلتفت إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يعزيه ويسري عنه ، بتقرير حدود عمله وواجبه في دعوة الله . وترك ما تبقى بعد ذلك لصاحب الأمر يفعل به ما يشاء :

( إن الله يسمع من يشاء ، وما أنت بمسمع من في القبور . إن أنت إلا نذير . إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير . وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير . ثم أخذت الذين كفروا . فكيف كان نكير ? ) . .

إن الفوارق أصيلة في طبيعة الكون وفي طبيعة النفس . واختلاف طباع الناس واختلاف استقبالهم لدعوة الله أصيل أصالة الفوارق الكونية في البصر والعمى ، والظل والحرور ، والظلمات والنور ، والحياة والموت . ووراء ذلك كله تقدير الله وحكمته . وقدرته على ما يشاء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ * وَلاَ الظّلُمَاتُ وَلاَ النّورُ * وَلاَ الظّلّ وَلاَ الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَآءُ وَلاَ الأمْوَاتُ إِنّ اللّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مّن فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلاّ نَذِيرٌ } . يقول تعالى ذكره : وَما يَسْتَوِي الأعْمَى عن دين الله الذي ابتعث به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والبَصِيرُ الذي قد أبصر فيه رشده ، فاتبع محمدا وصدّقه ، وقبل عن الله ما ابتعثه به وَلا الظّلُماتُ يقول : وما تستوي ظلمات الكفر ، ونور الإيمان وَلا الظّلّ قيل : ولا الجنة وَلا الحَرُورُ قيل : النار ، كأن معناه عندهم : وما تستوي الجنة والنار والحَرُور بمنزلة السّموم ، وهي الرياح الحارّة . وذكر أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنى ، عن رُؤْبة بن العَجّاج ، أنه كان يقول : الحَرور بالليل ، والسموم بالنهار . وأما أبو عبيدة فإنه قال : الحَرور في هذا الموضع والنهار مع الشمس . وأما الفراء فإنه كان يقول : الحَرُور يكون بالليل والنهار ، والسّموم لا يكون بالليل إنما يكون بالنهار .

والقول في ذلك عندي ، أن الحَرور يكون بالليل والنهار ، غير أنه في هذا الموضع بأن يكون كما قال أبو عبيدة : أشبه مع الشمس ، لأن الظلّ إنما يكون في يوم شمس ، فذلك يدلّ على أنه أريد بالحَرور : الذي يوجد في حال وجود الظلّ .

وقوله : وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلا الأمْوَاتُ يقول : وما يستوي الأحياء القلوب بالإيمان بالله ورسوله ، ومعرفة تنزيل الله ، والأموات القلوب لغلبة الكفر عليها ، حتى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه ، ولا تعرف الهدى من الضلال وكلّ هذه أمثال ضربها الله للمؤمن والإيمان ، والكافر والكفر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَما يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ . . . الاَية ، قال : هو مَثَل ضربه الله لأهل الطاعة وأهل المعصية . يقول : وما يستوي الأعمى والظلمات والحرور ، ولا الأموات ، فهو مَثَل أهل المعصية . ولا يستوي البصير ولا النور ، ولا الظلّ والأحياء ، فهو مثل أهل الطاعة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما يَسْتَوِي الأعْمَى . . . الاَية خلقا ، فضل بعضه على بعض فأما المؤمن فعبد حيّ الأثر ، حيّ البصر ، حيّ النية ، حيّ العمل . وأما الكافر فعبد ميت ، ميت البصر ، ميت القلب ، ميت العمل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَما يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ وَلا الظّلُماتُ وَلا النّورُ وَلا الظّلّ وَلا الحَرُورُ وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلا الأمْوَاتُ قال : هذا مثل ضربه الله فالمؤمن بصير في دين الله ، والكافر أعمى ، كما لا يستوي الظلّ ولا الحَرور ، ولا الأحياء ولا الأموات ، فكذلك لا يستوي هذا المؤمن الذي يبصر دينه ، ولا هذا الأعمى ، وقرأ : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ قال : الهُدى الذي هداه الله به ونوّر له . هذا مثل ضربه الله لهذا المؤمن الذي يبصر دينه ، وهذا الكافر الأعمى ، فجعل المؤمن حيا ، وجعل الكافر ميتا ، ميت القلب أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأَحْيَيْناهُ قال : هديناه إلى الإسلام كمن مثله في الظلمات أعمى القلب ، وهو في الظلمات ، أهذا وهذا سواء ؟

واختلف أهل العربية في وجه دخول «لا » مع حرف العطف في قوله : وَلا الظّلُماتُ وَلا النّورُ وَلا الظّلّ وَلا الحَرُورُ فقال بعض نحويّي البصرة : قال : ولا الظلّ ولا الحَرور ، فيشبه أن تكون «لا » زائدة ، لأنك لو قلت : لا يستوي عمرو ولا زيد في هذا المعنى لم يجز إلاّ أن تكون «لا » زائدة وكان غيره يقول : إذا لم تدخل «لا » مع الواو ، فإنما لم تدخل اكتفاء بدخولها في أوّل الكلام ، فإذا أدخلت فإنه يراد بالكلام أن كلّ واحد منهما لا يساوي صاحبه ، فكان معنى الكلام إذا أعيدت «لا » مع الواو عند صاحب هذا القول : لا يساوي الأعمى البصير ولا يساوي البصير الأعمى ، فكلّ واحد منهما لا يساوي صاحبه .

وقوله : إنّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ يقول تعالى ذكره : كما لا يقدر أن يسمع من في القبور كتاب الله ، فيهديهم به إلى سبيل الرشاد ، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله ، وبيان حُججه ، من كان ميت القلب من أحياء عباده ، عن معرفة الله ، وفهم كتابه وتنزيله ، وواضح حججه ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ كذلك الكافر لا يسمع ، ولا ينتفع بما يسمع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

{ وما يستوي الأحياء ولا الأموات } تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل . وقيل للعلماء والجهلاء . { إن الله يسمع من يشاء } هدايته فيوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته . { وما أنت بمسمع من في القبور } ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات ومبالغة في إقناطه عنهم .