اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

وإنما كرر الفعل في قوله : { وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء } مبالغة في ذلك لأن المنافَاةَ بين الحياة والموت أتم من المنافاة المتقدمة وقدم الأحياء لشرف الحياة ولم يُعِد «لا » تأكيداً في قوله الأعمى والبصير وكررها في غيره لأن منافاة ما بعده أتمّ فإن الشخص الواحد قد يكون بصيراً ثم أعمى فلا منافاة إلا من حيث الوصف بخلاف الظِّلِّ والحَرُور والظلمات والنور فإنها متنافية أبداً لا تجتمع اثنان منهما في مَحَلِّ فالمنافاة بين الظل والحرور وبين الظلمة والنور دائمةٌ .

فإن قيل : الحياةُ والموت بمنزلة العَمَى والبَصَر فإن الجسم قد يكون متصفاً بالحياة ثم يتصف بالموت !

فالجواب : أن المنافاة بينهما أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير لأن الأعمى والبصير يشتركان في إدراكات كثيرة ولا كذلك الحي والميت فالمنافاة بينهما أتمّ .

/خ22

ثم لما ذكر المآل والمرجع قدم ما يتعلق بالرحمة على ما يتعلق بالغضب لقوله - عليه ( الصلاة{[45237]} و ) السلام- في الإلهيات : «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي »{[45238]} ثم إن الكافر المصر بعد البعث{[45239]} صار أضلَّ من الأعمى وشابه الأموات في عدم إدراك الحق من جميع الوجوه فقال : { وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء } أي المؤمنون{[45240]} الذين آمنوا بما أنزل الله والأموات الذين تُلِيَتْ عليهم تُلِيَتْ عليهم الآياتُ البينات ولم ينتفعوا بها وهؤلاء كانوا بعد الإيمان{[45241]} من آمن فأخرهم عن المؤمنين لوجود حياة المؤمنين قبل ممات الكافرين المعاندين . وقدم الأعمى على البصير لوجود الكفار الضالِّين قبل البعثة{[45242]} على المؤمنين المهتدين بها .

فصل

قال المفسرون : «وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِرُ » ( يعني ){[45243]} الجاهل والعالم . وقيل الأعمى عن الهدى والبصير بالهدى أي المؤمن والمشرك «وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ » يعني{[45244]} الكفر والإيمان «وَلاَ الظِّلُّ ولا الحَرُورُ » يعني الجنة والنار «ومَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ » يعني المؤمنين والكفار . وقيل : العلماء الجهال . «إنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ » حتى يتعظ ويجيب { وما أنت بمسمع من في القبور } يعني الكفار شبههم بالأموات في القبور حين لم يجيبوا


[45237]:سقط من ((أ)) .
[45238]:وانظر: تفسير الرازي 26/17 .
[45239]:كذا في النسختين . وما في الفخر البعثة .
[45240]:المثبت في النسختين: المؤمنين تحريف والصواب ما أثبت .
[45241]:في الفخر: بعد إيمان من أمن .
[45242]:في ((ب)) البعث . بدون تاء .
[45243]:سقط من ((ب)) .
[45244]:في ((ب)) أي الكفر .