غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

1

وههنا مسائل . الأولى : ضرب أوّلاً مثلاً للكافر والمؤمن ثم أعاد مثلهما بقوله : { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } وهذا أبلغ لأن الأعمى والبصير قد يشتركان في إدراك أشياء ولا كذلك الحي والميت ولمكان هذه المبالغة أعاد الفعل . الثانية : كرر " لا " النافية في الأمثال الأخيرة دون الأوّل ، لأن المنافاة بين العمى والبصر ليست ذاتية كما في سائرهما وقد يكون شخص واحد بصيراً بإحدى العينين أعمى بالأخرى . الثالثة : قدم الأشرف في مثلين وهو الظل والحيّ ، وأخره في الآخرين فهم أهل الظاهر أن ذلك لرعاية الفواصل . والمحققون قالوا : إنهم كانوا قبل البعث في ظلمة الضلال فصاروا إلى نور الإيمان في زمان محمد صلى الله عليه وسلم ، فلهذا الترتيب قدّم مثل الكافر وكفره على مثل المؤمن وإيمانه . ولما ذكر المآل والمرجع قدم ما يتعلق بالرحمة على ما يتعلق بالغضب لأن رحمته سبقت غضبه . ثم إن الكافر المصرّ بعد البعثة صار أضلّ من الأعمى وشابه الأموات في عدم إدراك الحق فقال { وما يستوي الأحياء } أي المؤمن الذي آمن بما أنزل الله . والأموات الذين تليت عليهم الآيات ولم تنجع فيهم البينات فأخرهم عن المؤمنين لوجود حياتهم قبل ممات الكافرين المعاندين . الرابعة : إنما وحد الأعمى والبصير لأن المراد أن أحد الجنسين لا يساوي جنس الآخر من جهة العمى والبصر ، ولعل فرداً من أحدهما قد يساوي الفرد الآخر من جهة أخرى وكذا الكلام في إفراد الظل والحرور .

وإنما جمع الظلمات ووحّد النور لما مرّ في أوّل " الأنعام " من تحقيق أن الحق واحد والشبهات كثيرة . وإنما جمع الأحياء والأموات لأن المراد أن أحد الصنفين لا يساوي الآخر سواء قابلت الجنس بالجنس أو قابلت الفرد بالفرد . الخامسة : لا يخفى أن هذه الواوات بعضها ضمت شفعاً إلى شفع وبعضها ضمت وتراً إلى وتر . ثم سلى ورسوله بقوله { إن الله يسمع } الآية . فقد مرّ نظيره في قوله { إنك لا تسمع الموتى }

[ النمل : 80 ] .

/خ1