معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ} (10)

قوله تعالى : { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به } ، أي : يستوي في علم الله المسير بالقول والجاهر به ، { ومن هو مستخف بالليل } ، أي : مستتر بظلمة الليل ، { وسارب بالنهار } ، أي : ذاهب في سربه ظاهر . والسرب -بفتح السين وسكون الراء- : الطريق . قال القتيبي : سارب بالنهار : أي متصرف في حوائجه . قال ابن عباس في هذه الآية : هو صاحب ريبة ، مستخف بالليل ، فإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم . وقيل : مستخف بالليل ، أي : ظاهر ، من قولهم : خفيت الشيء ، إذا أظهرته ، وأخفيته : إذا كتمته . وسارب بالنهار : أي متوار داخل في سرب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ} (10)

( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) . . والتقابل واضح في العبارة . إنما تستوقفنا كلمة( سارب )وهي تكاد بظلها تعطي عكس معناها ، فظلها ظل خفاء أو قريب من الخفاء . والسارب : الذاهب . فالحركة فيها هي المقصودة في مقابل الاستخفاء . هذه النعومة في جرس اللفظ وظله مقصودة هنا كي لا تخدش الجو . جو العلم الخفي اللطيف الذاهب وراء الحمل المكنون والسر الخافي والمستخفي بالليل والمعقبات التي لا تراها الأنظار . فاختار اللفظ الذي يؤدي معنى التقابل مع المستخفي ولكن في لين ولطف وشبه خفاء !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { سَوَآءٌ مّنْكُمْ مّنْ أَسَرّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْلّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنّهَارِ } .

يقول تعالى ذكره : معتدلٌ عند الله منكم أيها الناس الذي أسر القول ، والذي جهر به ، والذي هُوَ مُسْتَخْفٍ باللّيْلِ في ظلمته بمعصية الله وَسارِبٌ بالنهارِ يقول : وظاهر بالنهار في ضوئه ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، سواء عنده سرّ خلقه وعلانيتهم ، لأنه لا يستسرّ عنده شيء ولا يخفى يقال منه : سَرَب يَسْرُبُ سُروبا إذا ظهر ، كما قال قيس بن الخطيم :

أنّى سَرَبْتِ وكنتِ غيرَ سَرُوبِ *** وتَقُرّبُ الأحْلامِم غيرُ قَرِيبِ

يقول : كيف سربت بالليل على بعد هذا الطريق ولم تكوني تبرزين وتظهرين . وكان بعضهم يقول : هو السالك في سِرْبه : أي في مذهبه ومكانه .

واختلف أهل العلم بكلام العرب في السرب ، فقال بعضهم : هو آمن في سَربه ، بفتح السين ، وقال بعضهم : هو آمن في سِربه بكسر السين .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أسَر القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باللّيْلِ وَسارِبٌ بالنّهارِ يقول : هو صاحب رِيبة مستخف بالليل ، وإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : وَسارِبٌ بالنّهارِ : ظاهر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن أب رجاء ، في قوله : سَوَاءٌ مِنكُمْ مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باللّيْلِ وَسارِبٌ بالنّهارِ قال : إن الله أعلم بهم ، سواء من أسرّ القول ومن جهر به ، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن عوف ، عن أبي رجاء : سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باللّيْلِ وَسارِبٌ بالنّهارِ قال : من هو مستخف في بيته ، وساربٌ بالنهار : ذاهب على وجهه علمُه فيهم واحد .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ يقول : السرّ والجهر عنده سواء . وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باللّيْلِ وَسارِبٌ بالنّهارِ أما المستخفي ففي بيته ، وأما السارب : الخارج بالنهار حيثما كان المستخفي غيبه الذي يغيب فيه والخارج عنده سواء .

قال : حدثنا الحِمّانِيّ ، قال : حدثنا شريك ، عن خَصِيف ، في قوله : مُسْتَخْفٍ باللّيْلِ قال : راكب رأسه في المعاصي . وَسارِبٌ بالنّهارِ قال : ظاهر بالنهار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ كلّ ذلك عنده تبارك وتعالى سواء السرّ عنده علانية . قوله : وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باللّيْلِ وَسارِبٌ بالنّهارِ : أي في ظلمه الليل ، وسارب : أي ظاهر بالنهار .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن خَصِيف ، عن مجاهد وعكرمة : وَسارِبٌ بالنّهارِ قال : ظاهر بالنهار .

و«من » في قوله : مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باللّيلِ رفع الأولى منهنّ بقوله سواء ، والثانية معطوفة على الأولى والثالثة على الثانية .