فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ} (10)

{ سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ( 10 ) }

ثم لما ذكر سبحانه أنه يعلم تلك المغيبات لا يغادر شيئا منها بين أنه عالم بما يسرونه في أنفسهم وما يجهرون به لغيره تعالى وأن ذلك لا يتفاوت عنده فقال : { سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ } فهو يعلم ما أسره الإنسان كعلمه بما جهر به من خير أو شر أي سواء ما أضمرته القلوب أو نطقت به الألسن ، وسر من أسر ، وجهر من جهر .

{ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ } أي مستتر في الظلمة الكائنة في الليل المتواري عن الأعين يقال خفى الشيء واستخفى أي استتر وتوارى { وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ } .

قال الكسائي : سرب يسرب سرابا وسروبا إذا ذهب ، وقال القتيبي : أي متصرف في حوائجه بسرعة من قولهم أسرب الماء .

قال الأصمعي : حل سربه أي طريقته ، والسرب بالكسر النفس يقال هو واسع السرب أي رخى البال والسرب بفتحتين بيت في الأرض لا منفذ له وهو الوكر .

وقال الزجاج : معنى الآية الجاهر بنطقه والمضمر في نفسه ، والظاهر في الطرقات والمستخفي في الظلمات ، علم الله فيهم جميعا سواء وهذا ألصق بمعنى الآية كما تفيده المقابلة بين المستخفي والسارب ، فالمستخفي المستتر ، والسارب البارز الظاهر ، ولنعم ما قاله بعضهم :

يا من ترى مد البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم الأليل

وترى عروق نياطها في نحرها *** والمخ في ذاك العظام النحل

اغفر لعبد تاب من فرطاته *** ما كان منه في الزمان الأول

وقيل مستخف راكب رأسه في المعاصي ، وسارب ظاهر بالنهار بالمعاصي .

وعن ابن عباس : قال هو صاحب ريبة مستخف بالليل ، وإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم .