السارب اسم فاعل من سرب أي تصرف كيف شاء . قال الشاعر :
إني سربت وكنت غير سروب ***وتقرب الأحلام غير قريب
وكل أناس قاربوا قيد فحلهم - -ونحن حللنا قيده فهو سارب
أي فهو منصرف كيف شاء ، لا يدفع عن جهة ، يفتخر بعزة قومه .
ولما ذكر أنه تعالى عالم الغيب والشهادة على العموم ، ذكر تعالى تعلق علمه بشيء خاص من أحوال المكلفين ، فقال : سواء منكم الآية .
والمعنى : سواء في علمه المسر القول ، والجاهر به لا يخفى عليه شيء من أقواله .
وسواء تقدم الكلام فيه ، وفي معانيه ، وهو هنا بمعنى مستو ، وهو لا يثني في أشهر اللغات .
وحكى أبو زيد تثنيته فتقول : هما سواآن .
وقيل : هو على حذف أي : سواء منكم سرّ من أسرّ القول ، وجهر من جهر به ، وأعربوا سواء خبر مبتدأ أو من أسر ، والمعطوف عليه مبتدأ .
ويجوز أن يكون سواء مبتدأ لأنه موصوف بقوله : منكم ، ومن المعطوف الخبر .
وكذا أعرب سيبويه قول العرب : سواء عليه الخير والشر .
وقول ابن عطية : إن سيبويه ضعف ذلك بأنه ابتداء بنكرة ، وهو لا يصح .
وقال ابن عباس : مستخف مستتر وسارب ظاهر .
وتفسير الأخفش وقطرب : المستخفي هنا بالظاهر .
وإن كان موجوداً في اللغة ينبو عنه اقترانه بالليل ، واقتران السارب بالنهار .
وتقابل الوصفان في قوله : ومن هو مستخف ، إذ قابل من أسر القول .
وفي قوله : سارب بالنهار إذ قابل ومن جهر به .
والمعنى والله أعلم إنه تعالى محيط علمه بأقوال المكلفين وأفعالهم ، لا يعزب عنه شيء من ذلك .
وظاهر التقسيم يقتضي تكرار من ، لكنه حذف للعلم به ، إذ تقدم قوله : من أسرّ القول ومن جهر به ، لكن ذلك لا يجوز على مذهب البصريين ، وأجازه الكوفيون .
ويجوز أن يكون : وسارب ، معطوفاً على من ، لا على مستخف ، فيصح التقسيم .
كأنه قيل : سواء شخص هو مستخف بالليل ، وشخص هو سارب بالنهار .
ويجوز أن يكون معطوفاً على مستخف .
وأريد بمن اثنان ، وحمل على المعنى في تقسيم خبر المبتدأ الذي هو هو ، وعلى لفظ من في إفراد هو .
والمعنى : سواء اللذان هما مستخف بالليل والسارب بالنهار ، هو رجل واحد يستخفي بالليل ويسرب بالنهار ، وليرى نصرفه في الناس .
قال ابن عطية : فهذا قسم واحد ، جعل الله نهار راحته .
والمعنى : هذا والذي أمره كله واحد بريء من الريب ، سواء في اطلاع الله تعالى على الكل .
ويؤيد هذا التأويل عطف السارب دون تكرار من ، ولا يأتي حذفها إلا في الشعر .
وتحتمل الآية أن تتضمن ثلاثة أصناف .
فالذي يسر طرف ، والذي يجهر طرف مضاد للأول ، والثالث متوسط متلون يعصي بالليل مستخفياً ويظهر البراءة بالنهار انتهى .
وقيل : ومن هو مستخف بالليل بظلمته ، يريد إخفاء عمله فيه كما قال : أزورهم وسواد الليل يشفع لي .
وكم لظلام الليل عندي من يد *** والظاهر عود الضمير في له على من ، كأنه قيل لمن أسرّ ، ومن جهر ، ومن استخفى ، ومن سرب : معقبات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.