إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ} (10)

وبعد ما بين سبحانه أنه عالم بجميع أحوالِ الإنسان في مراتبِ فطرتِه ومحيطٌ بعالَمي الغيب والشهادة بيّن أنه تعالى عالمٌ بجميع ما يأتون وما يذرون من الأفعال والأقوال وأنه لا فرق بالنسبة إليه بين السرِّ والعلن فقال : { سَوَاء منْكُمْ منْ أَسَرَّ القول } في نفسه { وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } أظهره لغيره { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ } مبالغٌ في الاختفاء كأنه مختفٍ { بالليل } وطالبٌ للزيادة { وَسَارِبٌ } بارزٌ يراه كلُّ أحد { بالنهار } من سرَب سروباً أي برَز وهو عطفٌ على مَنْ هو مستخفٍ أو على مستخف و ( من ) عبارةٌ عن الاثنين كما في قوله : [ الطويل ]

تعالَ فإنْ عاهدتَني لا تخونُني *** نكنْ مثلَ مَنْ يا ذئبُ يصطحبانِ{[458]}

كأنه قيل : سواءٌ منكم اثنان مستخفٍ بالليل وساربٌ بالنهار ، والاستواءُ وإن أسند إلى من أسرّ ومن جهَر وإلى المستخفي والساربِ لكنه في الحقيقة مسنَدٌ إلى ما أسّره وما جهرَ به أو إلى الفاعل من حيث هو فاعلٌ كما في الأخيرين ، وتقديمُ الإسرارِ والاستخفاءِ لإظهار كمالِ علمِه تعالى فكأنه في التعلق بالخفيات أقدمُ منه بالظواهر وإلا فنِسبتُه إلى الكل سواءٌ لما عرَفته آنفاً . { لَهُ } أي لكلَ ممن أسرّ أو جهر والمستخفي أو السارب .


[458]:البيت للفرزدق في ديوانه 2/329، وتخليص الشواهد ص 124؛ والدرر 1/284؛ وشرح أبيات سيبويه 2/84؛ وشرح شواهد المغني 2/536؛ والكتاب 2/416؛ ومغني اللبيب 2/404؛ والمقاصد النحوية 1/461.