معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (27)

قوله تعالى : { ولو ترى إذ وقفوا على النار } يعني : في النار ، كقوله تعالى : { على ملك سليمان } أي : في ملك سليمان ، وقيل : عرضوا على النار ، وجواب { لو } محذوف معناه : لو تراهم في تلك الحالة لرأيت عجبا .

قوله تعالى : { فقالوا يا ليتنا نرد } ، يعني : إلى الدنيا .

قوله تعالى : { ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين } ، قراءة العامة كلها بالرفع على معنى : يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب ، ونكون من المؤمنين ، وقرأ حمزة وحفص ويعقوب ، { ولا نكذب } بنصب الباء والنون على جواب التمني ، أي : ليت ردنا وقع وأن لا نكذب ، ونكون ، والعرب تنصب جواب التمني بالواو كما تنصب بالفاء ، وقرأ ابن عامر { نكذب } بالرفع و { نكون } بالنصب لأنهم تمنوا أن يكونوا من المؤمنين ، وأخبروا عن أنفسهم أنهم لا يكذبون بآيات ربهم إن ردوا إلى الدنيا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (27)

20

ومن شاء ان يرى فلينظر في الصفحة الأخرى المواجهة لهذه الصفحة الأولى :

( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا : يا ليتنا نرد ، ولا نكذب بآيات ربنا ، ونكون من المؤمنين ) !

إنه المشهد المقابل لمشهدهم في الدنيا . . مشهد الاستخذاء والندامة والخزي والحسرة . في مقابل مشهد الإعراض والجدال والنهي والنأي والادعاء العريض !

( ولو ترى إذ وقفوا على النار ) . .

لو ترى ذلك المشهد ! لو تراهم وقد حبسوا على النار لا يملكون الإعراض والتولي ! ولا يملكون الجدل والمغالطة !

لو ترى لرأيت ما يهول ! ولرأيتهم يقولون :

( يا ليتنا نرد ، ولا نكذب بآيات ربنا ، ونكون من المؤمنين ) . .

يعلمون الآن أنها كانت ( آيات ربنا ) ! وهم يتمنون لو يردون إلى الدنيا . وعندئذ فلن يكون منهم تكذيب بهذه الآيات ، وعندئذ سيكونون من المؤمنين !

ولكنها ليست سوى الأماني التي لا تكون !

على أنهم إنما يجهلون جبلتهم . فهي جبلة لا تؤمن . وقولهم هذا عن أنفسهم : إنهم لو ردوا لما كذبوا ولكانوا مؤمنين ، إنما هو كذب لا يطابق حقيقة ما يكون منهم لو كان لإجابتهم من سبيل ! وإنهم ما يقولون قولتهم هذه ، إلا لأنه تكشف لهم من سوء عملهم وسوء مغبتهم ما كانوا من قبل يخفونه على أتباعهم ليوهموهم أنهم محقون ، وأنهم ناجون ، وأنهم مفلحون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (27)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النّارِ فَقَالُواْ يَلَيْتَنَا نُرَدّ وَلاَ نُكَذّبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } . .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَلَوْ تَرَى يا محمد هؤلاء العادلين بربهم الأصنام والأوثان الجاحدين نبوّتك الذين وصفت لك صفتهم ، إذْ وُقِفُوا يقول : إذ حبسوا ، على النّارِ يعني في النار ، فوضعت «على » موضع «في » كما قال : وَاتّبَعُوا ما تَتْلُوا الشّياطِينُ على مُلْكِ سَلَيْمانَ بمعنى في ملك سليمان . وقيل : وَلَوْ تَرَى إذْ وُقِفُوا ومعناه : إذا وقفوا لما وصفنا قبل فيما مضى أن العرب قد تضع «إذ » مكان «إذا » ، و«إذا » مكان «إذ » ، وإن كان حظّ «إذ » أن تصاحب من الأخبار ما قد وجد فقضى ، وحظّ «إذا » أن تصاحب من الأخبار ما لم يوجد ، ولكن ذلك كما قال الراجز وهو أبو النجم :

مدّ لنا في عُمْرِهِ ربّ طَهَا ***ثمّ جَزَاهُ اللّهُ عَنّا إذْ جَزَى

***جنّاتِ عَدْنٍ في العلاليّ العُلا ***

فقال : «ثم جزاه الله عنا إذ جزى » ، فوضع «إذ » مكان «إذا » . وقيل : «وُقِفوا » ولم يقل «أوقفوا » ، لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب ، يقال : وقفت الدابة وغيرها بغير ألف إذا حبستها ، وكذلك وقفت الأرض إذا جعلتها صدقة حبيسا ، بغير ألف . وقد :

حدثني الحارث ، عن أبي عبيد ، قال : أخبرني اليزيديّ والأصمعيّ كلاهما ، عن أبي عمرو ، قال : ما سمعت أحدا من العرب يقول : «أوقفت الشيء » بالألف . قال : إلا أني لو رأيت رجلاً بمكان ، فقلت : ما أوقفك هاهنا ؟ بالألف لرأيته حسنا . فَقَالُوا يا لَيْتَنَا نُرَدّ يقول : فقال هؤلاء المشركون بربهم إذ حبسوا في النار : يا ليتنا نردّ إلى الدنيا حتى نتوب ونراجع طاعة الله ، وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا يقول : ولا نكذّب بحجج ربنا ولا نجحدها ، وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يقول : ونكون من المصدّقين بالله وحججه ورسله ، متبعي أمره ونهيه .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والعراقيين : «يا لَيْتَنا نُرَدّ وَلا نُكَذّبُ بآياتِ رَبّنا وَنَكُونُ مِنَ المُؤْمِنِينَ » بمعنى : يا ليتنا نردّ ، ولسنا نكذّب بآيات ربنا ولكن نكون من المؤمنين . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة : يا لَيْتَنا نُرَدّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بمعنى يا ليتنا نردّ ، وأن لا نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين .

وتأوّلوا في ذلك شيئا :

حدّثنيه أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : في حرف ابن مسعود : «يا لَيْتَنا نُرَدّ فَلا نُكَذّبَ » بالفاء .

وذكر عن بعض قرّاء أهل الشام أنه قرأ ذلك : «يا لَيْتَنا نُرَدّ وَلا نُكَذّبُ » بالرفع ونَكُونَ بالنصب . كأنه وجه تأويله إلى أنهم تمنوا الردّ وأن يكونوا من المؤمنين ، وأخبروا أنهم لا يكذّبون بآيات ربهم إن ردّوا إلى الدنيا .

واختلف أهل العربية في معنى ذلك منصوبا ومرفوعا ، فقال بعض نحويي البصرة : وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ نصب لأنه جواب للتمني ، وما بعد الواو كما بعد الفاء . قال : وإن شئت رفعت وجعلته على غير التمني ، كأنهم قالوا : ولا نكذّب والله بآيات ربنا ، ونكون والله من المؤمنين هذا إذا كان على ذا الوجه كان منقطعا من الأوّل . قال : والرفع وجه الكلام ، لأنه إذا نصب جعلها واو عطف ، فإذا جعلها واو عطف ، فكأنهم قد تمنوا أن لا يكذبوا وأن يكونوا من المؤمنين . قال : وهذا والله أعلم لا يكون ، لأنهم لم يتمنوا هذا ، إنما تمنوا الردّ ، وأخبروا أنهم لا يكذّبون ويكونون من المؤمنين . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : لو نصب «نكذّب » و «نكون » على الجواب بالواو لكان صوابا قال : والعرب تجيب بالواو و«ثم » ، كما تجيب بالفاء ، يقولون : ليت لي مالاً فأعطيك ، وليت لي مالاً وأعطيك وثم أعطيك . قال : وقد تكون نصبا على الصرف ، كقولك : لا يسعني شيء ويعجز عنك .

وقال آخر منهم : لا أحبّ النصب في هذا ، لأنه ليس بتمنّ منهم ، إنما هو خبر أخبروا به عن أنفسهم ألا ترى أن الله تعالى قد كذبهم فقال : وَلَوْ رُدّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وإنما يكون التكذيب للخبر لا للتمني . وكان بعضهم ينكر أن يكون الجواب بالواو ، وبحرف غير الفاء ، وكان يقول : إنما الواو موضع حال ، لا يسعني شيء ويضيق عنك : أي وهو يضيق عنك . قال : وكذلك الصرف في جميع العربية . قال : وأما الفاء فجواب جزاء ، ما قمت فآتيك : أي لو قمت لأتيناك . قال : فهذا حكم الصرف والفاء . قال : وأما قوله : وَلا نُكَذّبَ ونكُونَ فإنما جاز ، لأنهم قالوا : يا ليتنا نردّ في غير الحال التي وقُفِنْا فيها على النار ، فكان وقفهم في تلك ، فتمنوا أن لا يكونوا وقفوا في تلك الحالة . وكأن معنىّ صاحب هذه المقالة في قوله هذا : ولو ترى إذ وُقِفوا على النار ، فقالوا : قد وقفنا عليها مكذّبين بآيات ربنا كفارا ، فيا ليتنا نردّ إليها فنوقف عليها غير مكذّبين بآيات ربنا ولا كفارا . وهذا تأويل يدفعه ظاهر التنزيل ، وذلك قول الله تعالى : وَلَوْ رُدّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وإنّهُم لكاذِبُونَ فأخبر الله تعالى أنهم في قيلهم ذلك كذبة ، والتكذيب لا يقع في التمني ، ولكن صاحب هذه المقالة أظنّ به أنه لم يتدبر التأويل ولزم سنن العربية . والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك : «يا لَيْتَنا نُرَدّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ » بالرفع في كليهما ، بمعنى : يا ليتنا نردّ ، ولسنا نكذّب بآيات ربنا إن رددنا ، ولكنا نكون من المؤمنين على وجه الخبر منهم عما يفعلون إن هم ردّوا إلى الدنيا ، لا على التمني منهم أن لا يكذّبوا بآيات ربهم ويكونوا من المؤمنين لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عنهم أنهم لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه ، وأنهم كذبة في قيلهم ذلك . ولو كان قيلهم ذلك على وجه التمني لاستحال تكذيبهم فيه ، لأن التمني لا يكذّب ، وإنما يكون التصديق والتكذيب في الأخبار . وأما النصب في ذلك ، فإني أظنّ بقارئه أنه برجاء تأويل قراءة عبد الله التي ذكرناها عنه ، وذلك قراءته ذلك : «يا لَيْتَنا نُرَدّ فَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ » على وجه جواب التمني بالفاء . وهو إذا قرىء بالفاء كذلك لا شكّ في صحة إعرابه ، ومعناه في ذلك أن تأويله إذا قرىء كذلك : لو أنا رُددنا إلى الدنيا ما كذّبنا بآيات ربنا ، ولكنا من المؤمنين . فإن يكن الذي حَكَي عن العرب من السماء منهم الجواب بالواو و«ثم » كهئية الجواب بالفاء صحيحا ، فلا شكّ في صحة قراءة من قرأ ذلك : يا لَيْتَنا نُرَدّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا وَنَكُونَ نصبا على جواب التمني بالواو ، على تأويل قراءة عبد الله ذلك بالفاء ، وإلا فإن القراءة بذلك بعيدة المعنى من تأويل التنزيل . ولست أعلم سماع ذلك من العرب صحيحا ، بل المعروف من كلامها الجواب بالفاء والصرف بالواو .