الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (27)

قوله : { ولو ترى إذ وقفوا على النار } الآية [ 28 ] .

من قرأ برفع ( نكذبُ ) و( نكونُ ){[19515]} فعلى القطع ، ( أي : يا ليتنا ){[19516]} نرد ، ثم ابتدأ على معنى : ونحن لا نكذب{[19517]} . هذا قول سيبويه{[19518]} ، والمعنى عنده : ونحن لا نكذب رُددنا أو لم نُردّ ، فإنما سألوا الرد وقد أوجبوا على أنفسهم أنهم لا يعودون للتكذيب ألبتة ، رُدوا أو لم يُردّوا{[19519]} ، ومثله عند سيبويه : ( دعني ولا أعود ) : أي : وأنا لا أعود{[19520]} . تركتني أو لم تتركني{[19521]} .

ومن نصب{[19522]} فإنما أراد أن يكون ( رد ) يتبعه{[19523]} ترك عودة ، كأنه في المعنى : إن رُددنا لم نعد للتكذيب{[19524]} . ومثله : ( زرني وأزورك ) ، ( أي ، لتكن منك ){[19525]} زيارة وأن أزورك ، ولو رفعت لكان المعنى : وأنا أزورُك ، زُرتَني أو لم تزرْني{[19526]} .

ووجه آخر في الرفع ، وهو أن يكون معطوفاً على ( نُرد ){[19527]} ، كأنهم تمنوا أن يردوا ، وتمنوا ( ألا ){[19528]} يكذبوا{[19529]} /{[19530]} وأن يكونوا من المؤمنين{[19531]} . والأول أحسن ، لأنهم لم يتمنوا هذا ، إنما تمنوا الرد وادعوا أنهم إذا رُدوا لم يكذبوا وكانوا من المؤمنين{[19532]} .

( والنصب ){[19533]} على جواب التمني ، كأنه : يا ليتنا وقع لنا الردّ و( ألا ){[19534]} نكذب ، فالواو{[19535]} في جواب التمني كالفاء{[19536]} ، وقيل : المعنى في الرفع : لا نكذب والله ونكون{[19537]} – والله – من المؤمنين ، وهو أيضا منقطع{[19538]} .

وأنكر جماعة النصب ، وقالوا : هو خبر أخبروا به عن أنفسهم ، ألا ترى أن الله كذبهم فيما أخبروا به ، والكذب لا يقع إلا في جواب الخبر{[19539]} .

وأنكر بعض النحويين أن يكون الجواب للتمني{[19540]} بالواو ، وقالوا : إنما يكون بالفاء{[19541]} .

وأجاز أبو إسحاق أن يكون التمني داخلا في الخبر ، قال : لأن الرجل الفاسق ( يقول ){[19542]} : ( ليتني في الجنة ) ، فيقال له : كذبت ، لو أردت ذلك لاتقيت{[19543]} الله{[19544]} .

وقد قيل : إنه منصوب على الظرف{[19545]} ، وإن معنى الكلام : أنهم تمنوا أن يوقفوا ( ( وهم ){[19546]} غير مكذبين ، لأنهم وقفوا مكذبين ، فتمنوا أن يوقفوا{[19547]} ) على غير تلك الحال{[19548]} .

( والآية ){[19549]} عند أبي عمرو{[19550]} على التمني ، ولا يجوز فيه صدق ( ولا ){[19551]} كذب{[19552]} ، وإنما كذب{[19553]} الله خبرهم ، لا تمنيهم{[19554]} ، وخبرهم هول قولهم : ( ولا نكذب ) ، ( ونكون ) ، ( إن رددنا ){[19555]} فعلنا ذلك ، فهذا خبر ، فأكذبهم الله في ذلك الخبر الذي أخبروا به عن أنفسهم ، لا في تمنيهم{[19556]} .

أو يكون المعنى – على الرفع – ( ولا نكذبُ ) ، ( ونكونُ ) : أي : نفعل{[19557]} ذلك ، رُددنا أو لم نُردّ ، فهذا خبر منهم ، فأكذبهم الله في ذلك ، التكذيبُ إنما هو للخبر الذي أخبروا به عن أنفسهم ، لا للتمني{[19558]} .

وقال بعض النحويين : إنما يكون هذان{[19559]} الفعلان – في حال النصب – غير متمَّنْين{[19560]} إذا كانا{[19561]} جواباً لما في ( ليتنا ){[19562]} ، وتكون{[19563]} الواو الأولى بمعنى الفاء . فأما إن كانت الواو على جهتها ، ونصبت على الظرف{[19564]} منويا{[19565]} به الحال ، فالفعلان متمنَّيان{[19566]} ، والتكذيب للتمني{[19567]} وقع{[19568]} .

ومن قرأ ( ولا نكذّبُ ) بالرفع ، ونصب ( ونكونَ ){[19569]} ، فالمعنى : أنهم تمنوا الرد وأن يكونوا من المؤمنين ، وأخبروا أنهم لا يكذِّبون بآيات ربهم إن رُدُّوا إلى الدنيا{[19570]} .

قوله { ولو ترى } فعل منتظر{[19571]} ، وقوله و{ إذ وقفوا } : فعلان ماضيان ، وكذلك { فقالوا } ، وكلها منتظرة لم تقع . وهو حسنٌ لطيف{[19572]} فصيح ، غاية في البلاغة ، لأن كل ما هو كائن – ولم يكن بعد – فهو عند الله بمنزلة ما قد كان ، لصحة{[19573]} وقوعه على ما أخبر{[19574]} به عنه ، ولنفوذ حكم الله به ، وتقديره لوقوعه على ما أخبر به ، فالكائن وغير الكائن سواء في علم الله .

وقوله { وقفوا } بمعنى : حُبسوا ، و{ على النار } بمعنى ( في النار ) ، بمنزلة قوله : { على ملك سليمان }{[19575]} أي : في ملكه{[19576]} . وقيل : معنى { وقفوا على النار } : أُدخلوها ، كما تقول : ( قد وقفت على ما عندك ) ، أي : عَرفتُ حقيقته{[19577]} . وقيل : أوها{[19578]} . وقيل : رأوها{[19579]} . وقيل : جازوا عليها{[19580]} .

و{ إذ } بمعنى ( إذا ) ، لأنه خبر لا بد أن يكون ، فصار بمنزلة ما قد كان{[19581]} . يقال : ( وقفتُ وقفاً للمساكين ){[19582]} و( وقفتُ أنا ) ، ( وقِفْ ){[19583]} دابتك{[19584]} يا رجلُ{[19585]} .

و{[19586]} حكي عن أبي عمرو{[19587]} أنه قال : ما علمت أحداً من العرب يقول : ( أوقفتُ الشيء ) بالألف ، إلا أني لو رأيت رجلاً في مكان فقلت له : ( ما أوقفك ها هنا ؟ ) بالألف ، لرأيته حسناً{[19588]} . وفي الآية معنى التعظيم لما هم فيه .


[19515]:مطموسة في أ. ب: (تكذب وتكون). وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر، في السبعة 255، وأكثر القراء في معاني الزجاج 2/239، وأهل المدينة في إعراب النحاس 1/541.
[19516]:مطموسة في أ. ب: أتى باليتنا.
[19517]:انظر: تفسير الطبري 11/318، 319، وحجة ابن خالويه 138، وإعراب العكبري 489.
[19518]:انظر: إعراب النحاس 1/542.
[19519]:هو قول الزجاج في حدة ابن زنجلة 245.
[19520]:مطموسة في أ. ج د: عود. وانظر: إعراب ابن الأنباري 1/318.
[19521]:مطموسة في أ. د: تركتني. وانظر: الكتاب 3/44، ومعاني الزجاج 2/239، وإعراب مكي 249، والكشف 1/428.
[19522]:هي قراءة (بعض قَرَأَةِ الكوفة): تفسير الطبري 11/318، وهي قراءة حمزة وابن عامر في رواية، وعاصم في رواية في السبعة 255، وعيسى ابن أبي إسحاق في إعراب النحاس 1/542.
[19523]:مطموسة في أ. ب: بيته.
[19524]:انظر: تفسير الطبري 11/321، وجوزه الزجاج في معانيه وقال: (كما تقول: ليتك تصير إلينا ونكرمك) 2/239، 240، وذكره ابن زنجلة في حجته 245.
[19525]:مخرومة بعضها في أ. ب: لتكون.
[19526]:انظر: الكتاب 3/45.
[19527]:مخرومة في (أ). ب: بُرْدُ. وانظر: الكتاب 3/44، وإعراب النحاس 1/542.
[19528]:أ: أن لا.
[19529]:ج د: تكذبوا.
[19530]:كلها مطموسة إلا نادرا، مع بعض الخرم.
[19531]:انظر: تفسير الطبري 11/319، وانظر: إعراب مكي 249.
[19532]:انظر: تفسير الطبري 11/319 حيث هو قول بعض نحويي البصرة، وجوزه الزجاج في معانيه 2/239، وابن خالويه في حجته 138، وابن زنجلة في حجته 245، وابن الأنباري في إعرابه 1/318، والعكبري في إعرابه 489، وذكره مكي قبل الوجه الآخر في إعرابه 249، وفي كشفه 1/428.
[19533]:ج: فالنصب.
[19534]:أ: ان لا.
[19535]:ب: ولوان. ج د: والواو.
[19536]:انظر: إعراب النحاس 1/542، وحجة ابن خالويه 137، وحجة ابن زنجلة 245، والكشف 1/427.
[19537]:ب ج: تكون.
[19538]:انظر: معاني الأخفش 487، وفي تفسر الطبري أنه قول بعض نحويي البصرة 11/318، و319.
[19539]:هو رَدُّ الأخفش في معانيه 487، وبعض نحويي الكوفة في تفسير الطبري 11/319.
[19540]:ب: لتمني.
[19541]:انظر: تفسير الطبري 11/319.
[19542]:ساقطة من ب.
[19543]:ب: لتقيت.
[19544]:انظر: التفسير الكبير 12/191، 192.
[19545]:مطموسة في أ. ب: الضرف. ج د: الصرف. والصواب ما أثبته.
[19546]:ساقطة من ب.
[19547]:ساقطة من د.
[19548]:انظر: رد الطبري لهذا التأويل في تفسيره 11/320.
[19549]:ب: والابه.
[19550]:مطموسة في أ. د: عمر. وهو أبو عمرو زبان بن العلاء التميمي المازني البصري، أحد القراء السبعة وأئمة اللغة والأدب. توفي حوالي سنة 155 هـ. انظر: الغاية 1/288، 289.
[19551]:ب: الا.
[19552]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب ج د: كذبهم.
[19553]:مطموسة في أ. ج د: أكذب.
[19554]:مطموسة في أ. ج د: تصيبهم.
[19555]:مخرومة في أ. ب: أي: أردنا. ج: أي: أرددنا. د: أي: رددنا. ولعل الصواب ما أثبته.
[19556]:انظر: إعراب مكي 249، 250، والكشف 1/428.
[19557]:مطموسة في أ. ب: بفعل. ج د: يفعل. ولعل الصواب ما أثبته.
[19558]:هو اختيار الطبري في تفسيره 11/320، وذكره مكي في إعرابه 249.
[19559]:ب: هذا إن.
[19560]:مطموسة في أ. ب: متمتين.
[19561]:مطموسة في أ. د: ليتمنا.
[19562]:مطموسة في أ. د: نكون.
[19563]:مطموسة في أ. ب ج د: الصرف. ولعل الصواب ما أثبته.
[19564]:مطموسة في أ. ب: منوبا.
[19565]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب: متعينان.
[19566]:ب: للتمني.
[19567]:هو قول بعض نحويي البصرة في تفسير الطبري 11/318، 319.
[19568]:ب: تكون. وهي قراءة ابن عامر في رواية هشام بن عمار، في السبعة 255، وذكرها الطبري (عن بعض قرأة أهل الشام) في تفسيره 11/318.
[19569]:انظر: تفسير الطبري 11/318، وحجة ابن زنجلة 245، وإعراب مكي 250، والكشف 1/428، 429، وإعراب ابن الأنباري 1/318.
[19570]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت، ج د: كان.
[19571]:مطموسة في أ. ج د: ينتظر.
[19572]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب: قطيف.
[19573]:مطموسة في أ. ج: بصحة.
[19574]:مطموسة في أ. ج: اختبر.
[19575]:البقرة آية 101.
[19576]:انظر: تفسير الطبري 11/316، 317، وتفسير سورتي الفاتحة والبقرة 368 – 369.
[19577]:هو اختيار الزجاج في معانيه 2/239، وانظر: اللسان: وقف.
[19578]:مطموسة ومخرومة في أ. ج: أوهما. والذي تبين لي بعد البحث والتقصي أنها مخرفة عن (رأوها)، فتكون – على هذا – عبارة) وقيل: رأوها) مكررة.
[19579]:جوزه الزجاج في معانيه 2/239، وانظر: اللسان: وقف.
[19580]:انظر: اللسان: وقف.
[19581]:وفي التفسير الكبير 12/191: (إذ) تقام مقام (إذا) إذا أراد المتكلم المبالغة في التكرير والتوكيد) وانظر: كذلك أحكام القرطبي 6/408.
[19582]:ب: للمسكين.
[19583]:ج د: وقفت.
[19584]:ب: دايتك.
[19585]:انظر: اللسان: وقف.
[19586]:مطموسة في أ. ج د: وقد.
[19587]:مطموسة في أ. د: عمر.
[19588]:انظر: تفسير الطبري 11/317.